أحزاب تائهة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مايو 2015 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

طوال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، عاشت الأحزاب حالة من الانعزال عن الشارع بفعل حصار خانق من السلطة السياسية، حولها مع الأيام إلى هياكل كرتونية لا تقدم ولا تؤخر، بل إن بعضها تماهى مع الحزب الوطنى الحاكم وعاش فى كنفه يتلقى منه الفتات من المميزات والرشى فى أوقات الانتخابات المحلية أو النيابية فى شكل مقاعد بالتعيين أو تقاسم الوصول إلى عدد منها بالتزوير.

اليوم، وعقب ثورتين، ظن البعض، (وبعض الظن إثم) أن الحياة السياسية سوف ينصلح حالها، ونرى شكلا جديدا من العمل الحزبى تخرج فيه الأحزاب من دائرة النبات المتسلق، إلى وضع الأشجار المثمرة التى يستظل بها الناس، غير أن الواقع وبعد أربع سنوات من ثورة 25 يناير، يقول إننا لم نر حزبا واحدا يقلب المعادلة أو يعطينا الأمل فى إصلاح الأحوال، بينما الشارع يضج بالشكوى من تدنى مستوى الخدمات، وغياب الرقابة عن سوء أداء العديد من الإدارات الحكومية.

نعم توالدت الأحزاب كما تتوالد الأرانب، وأصبح لدينا عشرات الكيانات الحزبية التى يصعب حتى على المهتمين بالعمل العام معرفة أسمائها، وتحول الأمر إلى ما يشبه السيرك، كلما مررنا بمنعطف سياسى يحتاج تكاتف الرؤى والاجتهاد للتعامل معه لا نكاد نعرف الحابل من النابل، وها نحن نسعى إلى تحقيق الاستحقاق الثالث لخارطة طريق 30 يونيو، الخاص بالانتخابات النيابية، فيما الأحزاب كل يبحث عن معيل.

شاهدنا قبل وبعد الحكم بعدم دستورية قوانين الانتخابات الثلاثة (تقسيم الدوائر ومباشرة الحقوق السياسية، مجلس النواب)، كيف أقيمت تحالفات وبيدت، وكيف تقارب البعض على أسس انتخابية «انتهازية»، قبل أن تنفض إلى«خناقة»، وتبادل الاتهامات بين هذا الطرف وذاك، ورأينا كيف هرول البعض من قائمة إلى أخرى ظنا أنها ستكون الأقرب لدوائر الحكم وصنع القرار فإذا الأيام تكشف أن الأمر مجرد أوهام.

هذا السيرك الحزبى لم يسفر حتى الآن عن حركة حقيقية تقول إن أحزابنا جادة فى خوض غمار الانتخابات، فاجتماعاتها وخلافها واتفاقها يبدو استهلاكا لوقت لا نعرف لصالح من تتم إضاعته؟ هل رغبة من تلك الأحزاب لترتيب أوراقها، أم سعيا منها للتواصل مع قواعدها وناخبيها، أم لتقديم رؤية أوضح لحل المشكلات؟.. الظاهر للرأى العام أن الأحزاب تائهة، وهناك ما يشبه الهروب من تحمل المسئولية، وعدم القدرة على تقديم ما ينفع الناس لدى غالبيتها.

سيسارع البعض إلى اتهامى بالتجنى على الأحزاب فى ظل مناخ ربما ليس مريحا، بل ومشحون تجاه تلك الأحزاب، وتحميلها مسئولية تعويق العمل السياسى، وعرقلة التوصل إلى قوانين الانتخابات عبر التلويح بالانسحاب من خوض تلك الانتخابات تارة، أو تقديم قوانين بديلة رغم عدم أحقيتها دستوريا فى اتخاذ مثل هذه الخطوة، لكن ألستم معى أن الأحزاب تستحق أن توجه إليها هذه الاتهامات؟!

نعم الحكومة تراوغ، والمناخ غير موات لأداء سياسى جيد، غير أن انتظار أن يصبح لون «الحياة بمبى» شىء يصعب إن لم يكن يستحيل تحقيقه، وعلى الأحزاب إن كانت جادة فى لعب دورها الذى خلقت من أجله الالتحام بالناس، وعدم التعويل على مساعدة أحد فى أمتلاكها زمام المبادرة، وإثبات قدرتها على المشاركة فى الحكم، بعيدا عن اللهاث وراء كعكة ربما لن تنال منها ــ إذا بقيت على حالها ــ إلا الفتات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved