مرسى.. فى المصيدة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مايو 2015 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

بمؤهلات سياسية وثقافية متواضعة للغاية، وبقدرات شخصية ضعيفة لأقصى الحدود، دخل الرئيس السابق محمد مرسى مصيدة الإخوان المسلمين وهو يدرك أن السمع والطاعة سيكون جواز مروره للتسلل نحو المناصب القيادية فى التنظيم، دون أن يساوره الشك للحظة واحدة، أنه فى نهاية رحلته السياسية البائسة، سيفقد رأسه ثمنا لأخطاء كارثية ارتكبها التنظيم، رغم أنه لم يكن له لا ناقة ولا جمل فى أى قرارات مهمة اتخذتها الجماعة!

وحتى عندما أصبح رئيسا للجمهورية، كان الرجل مجرد ظل باهت لمكتب الإرشاد فى القصر الجمهورى، وكانت كل أسرار الدولة التى تصل إليها يداه يقدمها للمرشد وقد جاء لقاؤه مع ويليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية ليكشف أن الرجل كان مجرد صدى لصوت مكتب الإرشاد، فقد نقل الرجل كل تفاصيل هذا اللقاء لمكتب الإرشاد فى اجتماع شاهدته بنفسى على اليوتيوب، فالرجل يدرك أنه مدين بمنصبه لخيرت الشاطر وللمرشد، وأنه لن يكون أكثر من عروسة ماريونيت يحركانها كيفما يشاءان، وكان الجميع يدرك أن مؤهلاته للوصول إلى الرئاسة هى استمراره فى لعب دور الرجل الثانى، وتنفيذ ما يمليه عليه مكتب الإرشاد من قرارات وتعليمات، وكان ذلك بالضبط هو الفخ الذى قصم ظهره، وأصبح يهدد رقبته بحبل المشنقة.

كان بقاء الرجل فى منصبه يمثل أكبر تهديد للأمن القومى، فأسرار الدولة ستكون فى جعبة الجماعة أولا بأول، والجماعة بدورها لها أجندة خاصة تتجاوز فكرة الدولة فى مصر، وحلمها بعودة الخلافة الإسلامية التى كشفتها تصريحات المرشد السابق مهدى عاكف فى حواره الشهير مع زميلنا سعيد شعيب «طظ فى مصر»، تؤكد سعى الجماعة لتحقيق حلمها الإمبراطورى، باستنساخ الدولة العثمانية، التى نشأت الجماعة أساسا على يد مؤسسها حسن البنا للسعى نحو إعادتها للحياة مرة أخرى، بعد سقوطها على يد كمال الدين أتاتورك فى تركيا عام 1924.

ومع ذلك، فقد كان الحكم بإحالة أوراق مرسى لفضيلة المفتى فى قضية أخرى تماما، لكنها تلقى الضوء على شخصية هذا الرئيس الساذج الذى أدانته المحكمة بالتخابر مع حركة حماس للقيام بأعمال عدائية فى البلاد، والهجوم على المنشآت الشرطية، واقتحام السجون وتخريب مبانيها وقتل بعض السجناء والضباط والجنود واختطاف بعضهم الآخر، وبالتخابر مع منظمات وجهات أجنبية خارج البلاد، والتنسيق مع حماس وحزب الله لتنفيذ عمليات إرهابية فى مصر إبان ثورة يناير، بالإضافة إلى إفشاء أسرار الدولة إلى الحرس الثورى الإيرانى، وهى كلها تهم أكبر من قدرات الرجل الذهنية، وأعقد من قدرته على استيعابها، لكنه ــ بحكم المحكمة ــ شارك فيها وبررت الحكم بإعدامه، ما لم يكن لفضيلة المفتى ومحكمة النقض رأى آخر.

مصيدة مرسى الحقيقية هى انضمامه بسذاجة مفرطة لتنظيم إرهابى، تملأ رءوس قياداته الحالية أفكار متطرفة تكفر المجتمع، وتحكم عليه بالجاهلية التى سبقت ظهور الإسلام، والتى روج لها قائدهم الروحى سيد قطب الذى تم إعدامه فى عهد عبدالناصر، لاعترافه هو شخصيا بتأسيس تنظيم من عناصر إخوانية متطرفة، لاغتيال عبدالناصر ومكبار رجال نظامه، وتفجير كبارى ومنشآت بهدف اسقاط النظام، وإقامة دولة الخلافة!

ولكن هل تطير رقبة مرسى فعلا؟ أم أن القدر سيكون رحيما به ويقضى ما تبقى له من عمر خلف أسوار السجون؟.. أيا كان مصير الرجل ــ الذى أتمنى أنا شخصيا ألا يكون الإعدام ــ فإن عجزنا عن بناء نظام سياسى ديمقراطى يلبى طموحات المصريين فى الحرية والعدالة الاجتماعية، سوف يزيد بالتأكيد من مساحة التطرف فى المجتمع، وسيجعل آلاف الساذجين من أعضاء الجماعة الذين يقبعون فى نفس المصيدة، يتصرفون على طريقة «مرسى ستايل»، يحركهم التنظيم كيفما شاء، ويوظفهم فى دائرة العنف والتفجيرات، لتطير رءوسهم بلا ثمن، ودون أن يسمع عنهم أحد لا حس ولا خبر!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved