الخصوصية والكورونا

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مايو 2020 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

أجبر فيروس «كورونا» أو «كوفيدــ19» الناس إلى هجرة الشارع، والكف عن اللقاءات الشخصية، وممارسة التباعد الاجتماعى، وأصبح العالم الرقمى، لمن يرغب، هو الملاذ بعد أن أوصدت أبواب العالم الواقعى، واتجه الجمهور إلى الفضاء الالكترونى، سواء من خلال العمل من المنزل، أو شراء الاحتياجات عبر تطبيقات الهاتف المحمول، أو قراءة كتب أو صحف على الانترنت، أو مشاهدة أعمال ثقافية أو فنية على موقع «يوتيوب»، أو الرسائل المتبادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، أو ارسال أحاديث مصورة بين أفراد العائلة الواحدة التى قطع فيروس «كورونا» التواصل الإنسانى بينها. قد يحتاج العالم إلى وقت حتى يدرك طبيعة التحول الذى أتى به الهاتف المحمول، من مجرد أداة اتصال فقط إلى جهاز اتصال وتواصل وتفاعل بعد أن أصبح قادرا على الارتباط بفضاء الانترنت. التحول الرقمى الذى حدث فى العقدين الأخيرين مذهل. منذ نحو عشرين عاما، عندما بدأت الأنظمة التسلطية فى التهاوى فى أوروبا الشرقية كان «الانترنت» رقما جديدا فى المعادلة. من الطريف أنه فى يوغسلافيا عندما كانت الأجهزة الأمنية ــ المعروفة ببأسها الشديد فى عهد الرئيس الأسبق سلوبودان مليسوفيتش ــ تواجه الشباب الثائر من حركة «أوتبور»، كانوا يسألونهم: أين تخبئون الانترنت؟ لأنهم ظنوا أنه وسيلة محددة، يمكن التحفظ عليها. بعد سنوات عندما بدأ التغيير فى جورجيا وأوكرانيا وغيرهما ظهر واضحا أهمية التفاعل الالكترونى بين الناس، وهو الأمر الذى بدأ البعض يتحدث عنه فيما عٌرف بالربيع العربى، حيث تساءل باحثون، ولايزال التساؤل قائما، عن أسباب ما حدث. تعددت الاجتهادات، ومن بينها أن التفاعل الالكترونى أوجد مساحة لانتشار الأفكار، والتفاعل اللحظى، والتعبئة والحركة. واللافت أنه كلما توسع العالم رقميا، تزايد الحديث عن انتهاك خصوصية الأفراد المستخدمين للبرامج والتطبيقات المتنوعة على الهواتف المحمولة، من يستفيد من صورهم، أو تعليقاتهم أو اتصالاتهم، ولايزال الموضوع مطروحا، وإن كان أصبح شبه محسوم، أن فى عالم الفضاء الالكترونى تتراجع بشدة الخصوصية، وينبغى أن يدرك الشخص أنه كلما خطا خطوات على طريق التفاعل الإلكترونى يعنى قبوله الضمنى بأن جانبا من حياته صار على الملأ.
بعد فترة قصيرة سوف يظهر تطبيق جديد على الهاتف المحمول خاص بمرض الكورونا، ظاهره مفيد فى تعقب الوباء، والوقاية منه، وتقديم المعلومات الضرورية، ولاسيما بعد أن أدرك الجميع أن الفيروس القاتل مستمر لفترة فى الحياة، ولابد من التكيف مع وجوده، والعمل على الوقاية منه. الشخص أو الجهة التى تخترع ذلك قد يكون من أغراضها محاصرة الوباء، والاتقاء من شروره، ولكن المسألة أكبر من ذلك، تتصل بالمعلومات التى تتوافر عن الأشخاص والتى يمكن استغلالها لأغراض سياسية أو اجتماعية أو غيرها، فالمعلومات قوة هائلة، تمتلكها الحكومات فى تعزيز سلطتها، وتستخدمها الشركات الكبرى خدمة لأغراضها ومصالحها.
إنه عالم لم يعد سؤال العولمة مطروحا فيه لأنه أصبح قدرا لا يمكن الفكاك منه. أغلق فيروس كورونا الحدود بين الدول، لكن تدفقت الأخبار، والصور، والمعلومات، والتفاعل بين الناس عبر فضاءات إلكترونية لا يمكن إغلاقها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved