رسائل فى اتجاهات مختلفة موجهة إلى سوريا

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مايو 2020 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

لقد تمكن النظام فى سوريا من استعادة السيطرة على معظم الأراضى السورية بمساعدة روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبنانى، كما استطاع بمساعدتهم أيضا وأطراف أخرى التغلب على المعارضة المسلحة ولم تعد لها قدرة على طرح نفس المطالب التى كانت تتمسك بها، وبقيت المعارضة فى الداخل، إلى جانب موقف الأكراد السوريين ومغالاة تركيا فى التخوف منهم على أمنها، كما تم تصفية معظم الجماعات المسلحة وانحسار داعش ما عدا بقايا هذه الجماعات فى أدلب وبعض المناطق الأخرى، وقد شجع هذا الوضع أن يميل النظام السورى إلى تغليب استكمال الحل العسكرى للأزمة السورية ولا تعارضه فى ذلك إيران وميليشيات حزب الله، ولكن لا توافق على ذلك روسيا لإدراكها أن التوازنات أكثر تعقيدا من ذلك وأنه لابد من المضى فى الحل السياسى ووضع مطالب المعارضة السلمية فى الاعتبار وعدم تجاهل التوازنات والترتيبات مع تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والأطراف الأوروبية والعربية.
ووجهت عدة رسائل فى اتجاهات مختلفة من عدة أطراف إلى سوريا على هذه الخلفية فى الأيام الأخيرة يمكن تناولها على النحو التالى.
***
رسالة عربية بدأت منذ العام الماضى قبيل انعقاد القمة الاقتصادية العربية فى بيروت تطالب بإعادة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية وأن توقيت هذه الخطوة مهم للغاية لبدء ترتيبات مشاركة عربية فعالة فى المرحلة الأخيرة من التسوية السياسية فى سوريا من ناحية ومرحلة إعادة الإعمار من ناحية أخرى حتى لا تترك كلها لأطراف غير عربية، ولكن لم يحدث لا اتفاق بين القوى السياسية اللبنانية ولا توافق بين الدول العربية.
والآن تطالب الجزائر بقوة ودول عربية أخرى بضرورة عودة سوريا إلى مقعدها وأن تدعى إلى القمة العربية فى الجزائر، ولكن لم يحدث توافق حول الموضوع فى اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب فى جامعة الدول العربية فى مارس 2020، وهذا مؤشر على أن موقف بعض الدول العربية من الأزمة السورية لم يتغير كثيرا، كما أن الموقف الأمريكى أيضا له تأثير حيث يرى أنه من غير الواقعى على الإطلاق الاعتقاد بأن إعادة العلاقات العربية مع سوريا وإعادتها لجامعة الدول العربية سيؤدى إلى ابتعادها أو تخفيف ارتباطها بإيران ذلك لأن إيران تتمتع بمركزية وعلاقات قوية فى سوريا.
وبقى موضوع إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية معلقا حتى الآن كما لم يحدد تاريخ معين لانعقاد القمة العربية فى الجزائر غير قول الأمين العام لجامعة الدول العربية أن القمة قد تعقد قبل آخر يونيو وكان ذلك قبل انتشار وباء كورونا الذى قد يؤجلها بدوره إلى شهر آخر.
***
رسالة أمريكية بالحملة الدبلوماسية التى تقوم بها واشنطون لمنع الحكومتين الروسية والسورية من الاستفادة من تداعيات وباء كورونا لتخفيف العقوبات الدولية وفك العزلة السياسية المفروضة على دمشق وذلك فى مقابل جهود روسية وأصوات أوروبية تقترح مقاربة مرنة مع سوريا ودعم مسار خطوة وراء خطوة مع الدول الأوروبية وأمريكا.
وتتهم واشنطون النظام السورى بالعمل على تغطية ما يرتكبه فى حق شعبه بحملة يقوم بها مفادها أن العقوبات الأمريكية الأحادية تلحق ضررا بالغا بجهوده لمواجهة وباء كورونا، وأن الهدف من هذه الحملة تقويض الإجماع الدولى على ضرورة عزل النظام السورى سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، ويوضحون أن العقوبات لا تستهدف منع توفير السلع الإنسانية والأدوية والمواد الغذائية، وأن واشنطون تقدم إعفاءات وتراخيص لتصدير هذه المواد إلى سوريا وتوفير الإعفاءات لها منذ سنوات بما فى ذلك المساعدات الإنسانية فى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السورى.
وتلوم واشنطن كل من موسكو وبكين لإعاقتهما وصول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق فى سوريا عن طريق منعهما تجديد قرار الأمم المتحدة بشأن المساعدات عبر الحدود وإجبار مجلس الأمن على خفض نقاط عبور المساعدات من أربع مناطق إلى نقطتين فقط بما يؤدى إلى تقليص المساعدات ذات الصلة بمواجهة تداعيات وباء كورونا فى المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السورى، واتهام النظام بتدمير المستشفيات والمنشآت الطبية واستخدام أسلحة كيماوية فى مارس عام 2017.
وتطالب واشنطون بضرورة استمرار ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية على النظام السورى لدفعه نحو إحراز تقدم على مسار التسوية السياسية للأزمة السورية بموجب قرار مجلس الأمن 2254.
واستندت روسيا والصين إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة بوقف شامل لإطلاق النار فى سوريا لمواجهة وباء كورونا، وطالبتا مع ست دول أخرى بالرفع الكامل والفورى لتدابير الضغط الاقتصادى غير القانونية لإنهاء تقويض جهود مكافحة وباء كورونا وعرقلة الحصول على المعدات والأدوات الطبية اللازمة لمكافحة الوباء.
***
رسالة أوروبية وردت خلال دراسة أعدها المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية تضمنت أن الرئيس الأسد حقق بعد تسع سنوات من الصراع انتصارات فى ساحات المعارك، وتأمين بقائه فى السلطة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة من أشدها الاقتصاد المدمر، واحتياطى رأس مال حرج، وعجز شديد فى الإسكان والمرافق الصحية والتعليمية، وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار أمريكى تفتقر إليها سوريا، والحليفان روسيا وإيران غير مستعدين لتقديمها لأسباب خاصة بكل منهما.
وأشارت الدراسة إلى الفساد والتركيز على القضية الأمنية، ورغم الانخفاض الكبير فى أعمال العنف فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتدهور سريعا، ويعيش نحو 80% من السكان تحت خط الفقر، وانعكاس تدهور الأوضاع فى لبنان، وهو رئة سوريا الاقتصادية، وتقييد التدفقات الدولارية وانخفاض قيمة الليرة السورية، هذا إلى جانب الآثار السلبية لاستمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية طويلة المدى، ولكن لم تؤدِ العقوبات إلى إسقاط النظام رغم زيادة السخط الشعبى، وهذا يتطلب اتباع وسائل أخرى للتغيير عن طريق زيادة المساعدات الإنسانية، وتوجيه الدعم المباشر للسوريين داخل سوريا، وتوسيع الإعفاء من العقوبات الأوروبية والعمل على إيجاد مقاربة مع دمشق بفتح باب التفاوض معها.
***
رسالة من روسيا، وهى ليست رسالة رسمية وإنما نشرت فى دراسات ومقالات من مقربين من مركز صناعة القرار فى موسكو، وتضمنت انتقادات مباشرة لنظام الحكم فى سوريا وللرئيس بشار الأسد، ربما للمرة الأولى منذ أن شاركت روسيا عسكريا فى الأزمة السورية فى أواخر سبتمبر 2015، وأهم ما تضمنته هذه الانتقادات:
ــ رفض الرئيس الأسد التنازل عن أى من صلاحياته مقابل الحصول على مزيد من الاعتراف الدولى، وربما مساعدات كبيرة لعملية إعادة الإعمار، وعدم رضا بل غضب موسكو لأن هذا الموقف من الرئيس الأسد يعطل عمل اللجنة الدستورية ويعرقل المسيرة نحو عملية التسوية السلمية للأزمة السورية.
ــ يرى بعض الخبراء الروس أن على الكرملين التخلص من الصراع السورى، وأن المشكلة تتعلق بشخص الرئيس الأسد وحاشيته.
ــ إن دمشق تواصل الاعتماد على الحل العسكرى المعتمد على دعم حلفائها وحصولها على مساعدات اقتصادية ومالية غير مشروطة، وغير مهمته باتباع نهج يتسم بالمرونة وبعد النظر.
ــ استناد النظام إلى خطاب الانتصار ومواصلة عمليات القتال، وهو بذلك منفصل عن الواقع، لأنه رغم النجاح التكتيكى الذى حققته العمليات العسكرية على إدلب بدعم من القوات الجوية الروسية، فإنها كشفت عن حدود ما هو ممكن إزاء الخسائر الكبيرة التى تكبدها الجيش السورى على مدى تسع سنوات من القتال، وإن الخطاب على أعلى مستوى باستخدام القوة فى حال عدم رحيل القوات التركية والأمريكية عن سوريا بعيدا عن الواقع.
ــ هبوط الناتج الإجمالى المحلى السورى خلال تسع سنوات من 55 مليار دولار أمريكى إلى 22 مليار دولار، ودمرت نحو 50% من المنازل و40% من المدارس والجامعات وارتفع معدل الوفيات ثلاثة أضعاف، وصلت نسبة الناس تحت مستوى الفقر إلى نحو 80% من السكان، وانخفض متوسط الأعمار بدرجة كبيرة.
ــ إن الفساد استشرى بدرجة كبيرة بين شخصيات مؤثرة وقريبة من الرئيس الأسد، وفسر البعض أن هذه الانتقادات الإعلامية الروسية أو التقارير المسربة وراءها رجال الأعمال الروس الذين يرون أن تصاعد الفساد فى سوريا يهدد الاستثمارات الروسية، والخطوات السياسية التى يمكن أن تقوم بها موسكو، وأنها انتقادات لا تعنى تغييرا فى مواقف روسيا من النظام السورى، ولكنها وسيلة للضغط عليها للتجاوب مع الجهود الدولية لتحقيق التسوية السلمية وإدراك حقيقة التوازنات الإقليمية والدولية التى بدون مراعاتها وأخذها فى الاعتبار لن تتحقق التسوية. ويلاحظ أن هذه الضغوط الروسية غير المباشرة تأتى قبل الانتخابات الرئاسية السورية التى يحل موعدها فى بداية صيف 2021 والحاجة إلى الإسراع بعمل اللجنة الدستورية السورية لإجراء تعديلات على الدستور السورى الذى يتمسك به النظام، أو صياغة دستور جديد كما تطالب المعارضة وأطراف أخرى إقليمية ودولية، وأن إعادة ترشيح الرئيس بشار الأسد فى ظل الدستور الحالى قد يؤدى إلى تعقيدات وعقبات على مسار التسوية السياسية للأزمة السورية ويطيل أمد الصراع.
وقد جاء الرد السورى على رسائل روسيا على وسائل التواصل الاجتماعى فيما كتبه أحد أعضاء البرلمان السورى، وأحد السفراء السابقين فى انتقاد شديد للموقف الروسى وللرئيس بوتين، وأن الحليف القوى والحقيقى لسوريا هو إيران وليس روسيا، وأن الدخول إلى سوريا هو لخدمة مصالحها الخاصة.
ومن أجل التخفيف من حدة هذا الرد غير الرسمى قال مسئولون سوريون إنه رأى شخصى لمن صدر عنهم ولا يعبر عن الرأى الرسمى السورى.
إن ما يمكن استخلاصه من هذه الرسائل كلها أن الأطراف الضالعة فى الأزمة السورية تجرى حساباتها لما سيكون بعد التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة وأنه يتعين الأخذ فى الاعتبار مصالح كل طرف، كما أنه لا يترك الأمر كله للنظام السورى بدعم من إيران، وأهمية وضع ضمانات لحقوق المعارضة فى الدستور السورى سواء كان دستورا جديدا، أم تعديلات فى الدستور الحالى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved