هل تطمئن والأجهزة تسمع ما تقوله؟

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الجمعة 19 مايو 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

يستحوذ الوضع الاقتصادى فى مصر على اهتمام الناس، نظرا للضغوط المتزايدة، لاسيما تضخم أسعار العديد من السلع فى مقابل عدم تغير الدخل بصورة تعوض الفروق الضخمة بين الأجور والأسعار. وتختلف طبيعة هذه الضغوط الملموسة عن ضغوط أخرى صامتة، لا نشعر بها إلا حين إدراك أثرها. وإلينا مثال، لو تسرب محتوى دردشة مغلقة بين اثنين من الأصدقاء إلى طرف ثالث لا يجب أن يطلع عليها، فما بالنا لو تسربت أحاديث الغرف المغلقة التى لا يجب أن تغادر الغرفة؟ ولكن ماذا لو لم ندرك أن التسريبات تحدث ويستفيد منها يوميا طرف ثالث، ثم تفاجأنا بذلك ووقعت أضرار جسيمة؟ وماذا لو قرر الطرف الثالث الاحتفاظ بتلك الأسرار واستعمالها بدون إدراك منا أن كل هذا يحدث؟ من هنا وجب التنبيه لاختلاف طبيعة الضغوط السيبرانية عن أى ضغوط أخرى، فهى لا تحدث ضجيجا، وقد لا يعلم الفرد أو الجهة التى تتعرض للاختراق أن ثمة تسللا يحدث، إلا بعد تبين أثره. ولكن هل معنى ذلك إغلاق أجهزة المحمول وأى جهاز إلكترونى آخر بجوارنا؟ لا توجد إجابة شافية، ولكن المسألة لها جوانب عدة قد يكون بعضها إيجابيا.
• • •
لقد فجر إيلون ماسك العديد من القضايا الخاصة بطرق عمل منصات التواصل الاجتماعى، كان آخرها فى الأسبوع الثانى من مايو. حيث كتب على حسابه الرسمى بموقع تويتر بشأن تنصت تطبيق واتس آب على الأشخاص المستخدمين الذين يناهز تعدادهم المليارين. وقال ماسك: «لا يمكن الوثوق فى واتس آب» وذلك لأن التطبيق يستخدم ميكروفونا فى الخلفية ويستمع لما يدور من حوله. ولقد جاء هذا الكشف بعد تجربة وثقها أحد الأشخاص العاملين فى شركة تويتر، والذى قام بتفعيل خاصية «التصوير التلقائى للشاشة» (screenshot) أثناء نومه. وفى الصباح، أظهرت الصور الملتقطة أن «واتس آب» يستخدم ميكروفونا فى الخلفية، ما استدعى تعليقا من ماسك يتهم فيه واتس آب بأنه تطبيق غير مؤتمن. علما بأن ماسك طور تطبيقا منافسا للواتس آب اسمه «سيجنال» (Signal) أكد أنه لا يتنصت على الأشخاص المستخدمين ويحافظ على خصوصيتهم. ولكن هل أفصح ماسك عن تنصت واتس آب لصالح الأشخاص المستخدمين أم لنشر تطبيق سيجنال؟ ثم ماذا لو انتشر سيجنال ثم باعه ماسك، وتغيرت خواصه لتطابق خواص واتس آب؟
• • •
وها هى قصة مختلفة عن استماع الأجهزة للحوار الدائر بجوارها. فلقد التقيت بأحد أصدقاء الدراسة عام 2017، وكان عائدا للتو من الولايات المتحدة، بعدما انتهى من زيارة عمل. وهو طبيب متخصص فى جراحة المخ والأعصاب، وتخصصه الدقيق فى جراحات العمود الفقرى وجراحات قاع الجمجمة. وتبادلنا الحديث لقرابة الساعة، حيث أسهب فى شرح التقنيات الحديثة التى تحدث طفرات بالمجال الطبى. وأشار إلى برنامج كومبيوتر يعمل بالذكاء الاصطناعى ويستطيع معاونة الطبيب فى تدوين الملاحظات التى يستمع إليها أثناء الحوار مع المريض، كما يساعد الطبيب فى تشخيص الحالات بنسبة دقة تفوق 95%. وأضاف: أن هذا النوع من البرامج لا يتخذ قرارا من تلقاء نفسه، وإنما يعرض الملاحظات والتشخيص على الطبيب ليتخذ ما يراه مناسبا لكل حالة، وبالتالى يوفر عليه الكثير من الجهد. وانتشر التطبيق فى غالبية المستشفيات الأمريكية، وتمنى صديقى لو استطاع إدخال هذه التكنولوجيا فى المستشفى الجامعى الذى يعمل به فى مصر. ولقد ردد اسم البرنامج كثيرا، ولم ألتقط منه غير الاختصار، وهو داكس (DAX).
• • •
الآن قفزة إلى 2021، حيث أعلنت حينها شركة مايكروسوفت عن شراء شركة نيوانس (Nuance) التى طورت تطبيق سيرى (Siri) على أجهزة شركة آبل، لاسيما المحمول، وهو مساعد صوت يقوم بتنفيذ الأوامر الصوتية التى يتلقاها من الشخص المستخدم، مثل الاتصال برقم معين. كما طورت الشركة تطبيقا آخر «للتعرف على الكلام» اسمه DAX. ثم قفزة أخرى إلى الأسبوع الثانى من مايو 2023، حيث أعلنت شركة مايكروسوفت استثمار حوالى 19 مليار دولار (تقريبا 11% من ميزانية مصر لعام 2022ــ2023) فى شركة نيوانس لدمج الذكاء الصناعى فى القطاع الطبى، ويهدف تطوير التطبيق إلى تخفيف العبء الإدارى على الأطباء. وصرحت شركة مايكروسوفت بأن الإصدار الجديد الذى سيطرح الصيف القادم يتضمن خدمات روبوت شات GPTــ4 بفضل شراكتها مع شركة أوبن ــ إيه ــ آى (OpenAI)، ليكون إصدارا آليا بالكامل، بوسعه توليد الملاحظات فى ثوانٍ، ويستخدم على نطاق واسع بسرعة أكبر من إصدار DAX السابق.
ولقد طرحت سؤالا على تطبيق شات جى.بى.تى 4 عن تطبيق DAX، وأفاد بما يلى، أنه اختصار لكلمة «تجربة ــ التجويد ــ الصوتى» (Dragon Ambient eXperience)، وهى حل لتوثيق السجلات الطبية باستخدام تقنية الصوت والذكاء الاصطناعى. ويهدف التطبيق إلى تحويل عملية توثيق المعلومات الطبية من قبل الأطباء إلى شىء أكثر طبيعية وفاعلية، حيث يتيح لهم الوقت للتركيز فى الحديث مع المرضى والقيام بعملية الرعاية الصحية بشكل أكثر تخصيصًا وجودة، بينما يستمع التطبيق للحديث ويحوله إلى ملاحظات طبية. ويتكامل DAX مع تطبيقات الصحة الإلكترونية والأنظمة السريرية الأخرى، مما يتيح للأطباء توثيق اللقاءات الطبية بشكل سهل وإنشاء ملاحظات سريرية دقيقة وشاملة. وتستخدم التقنية أيضًا الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى لتوفير الدعم السريرى الذى يساعد الأطباء على اختيار التشخيصات وخطط العلاج اللازمة. وبشكل عام، DAX هو حل مبتكر يستخدم قوة التقنية الصوتية لتحسين عملية توثيق المعلومات الطبية وتحسين جودة الرعاية الصحية. إلى هنا انتهت إفادة تطبيق شات جى.بى.تى 4 عن برنامج «تجربة ــ التجويد ــ الصوتى». ولكن هل هذا أمر جيد؟ وما هى دقة التطبيق فى التدوين؟ وماذا لو أخطأ؟ الشاهد، مازال الأمر محل البحث والتطوير، وكل حين تصدر ورقة بحثية تنبه إلى بعض الأخطاء التى يجب تداركها وتصحيحها.
• • •
يبدو أن مسألة متابعة الأصوات البشرية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى آخذة فى التوسع. فلقد أعلنت شركة ألفا ــ بت المالكة لمحرك البحث جوجل أنها بصدد تطوير طريق عمل جوجل ليصبح «أكثر حيوية وأيسر استخداما وأكثر خصوصية وإنسانية»، وذلك عن طريق دمج التعرف على المزيد من الأصوات البشرية وتلقى أوامر البحث منها كجزء من التحول. ومن المتوقع أن تطلق جوجل برنامج «ماجى» المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعى والذى يستطيع إجراء محادثات مع الأشخاص المستخدمين وتلقى أوامر البحث وتنفيذها على غرار تطبيق سيرى (Siri). ولكن هل يستمع جوجل بدوره للمحادثات؟ ولو كان بوسع الأشخاص المستخدمين تحديد خواص التطبيق وحجب أو وقف بعض الخواص التى تخترق خصوصيتهم، فماذا لو كانت ثمة خواص لا نعرف عنها شيئا، ويشملها إعدادات التطبيق التى وافقنا عليها منذ البداية ومازالت تعمل بدون أن ندركها؟ ولذلك نسأل، هل ترويض التطبيقات مسئولية الأشخاص المستخدمين فقط؟ وهل من دور لوزارة الاتصالات؟

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved