تحديان ينتظران الاستجابة

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 19 يونيو 2014 - 4:50 ص بتوقيت القاهرة

الوطن العربى كلّه يحترق حاليا فى لهب نار السياسة العابثة من جهة وفى لهب نار الدين المختطف من جهة أخرى. ويكذب من يدّعى، فى طول الوطن الكبير وعرضه، بأنُّه فى منأى عن نيران هذا الجحيم المتعاظم الذى يأكل الأخضر واليابس.

لكّن المأساة هى فى الإعراض البليد، غير المفهوم ولا المبرّر، عن التعامل مع ذلك الحريق على مستوى الأمّة كلّها، لإطفاء الحريق كلّه، وذلك بدلا من التلهّى بصب الماء هنا أو هناك. لنُفصّل ما نعنى بذلك.

ففى السياسة هناك محاولات فى بعض الأقطار العربية لتكوين تجمعات وجبهات من الأحزاب السياسية ومناصريها من أجل أهداف محليّة ومؤقّتة من مثل خوض معركة انتخابات برلمانية أو الوقوف فى وجه ديكتاتور أو المطالبة بإصلاحات محدودة. وبالطبع فإن تلك الجهود، من مثل التى تبذل حاليا فى أقطار مصر والجزائر وموريتانيا على سبيل المثال، مطلوبة ومحمودة، لكن التدهور المتراكم فى المشاهد السياسية العربية يؤكد أن المحاولات على مستوى الأقطار لن تكون كافية على الإطلاق.

وإذن ما العمل ؟ لنعد إلى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى. آنذاك، عندما شعر المهمومون بتحرر ونهوض الأمة بوجود أخطار مشتركة تستهدف الوطن العربى كلّه، من مثل الخطر الصهيونى والخطر الاستعمارى وخطر التخلف الرجعى العربى... عندما شعروا بذلك توجّهوا، بعبقرية ملفتة وبروح متحدّية، إلى تكوين حركات قومية جامعة ترتفع بالنضال السياسى من مستوى القطر الوطنى إلى مستوى الوطن القومى.

•••

وبدون الدخول فى مماحكات ما ارتكب من أخطاء من قبل تلك الحركات، أو الدخول فى عبثية لعبة اللّوم والتقريع، فإن حركات حزب البعث والقوميين العرب والناصريين كانت محاولات تاريخية كبرى، صحيحة فى أفكارها وشعاراتها، نبيلة فى أهدافها. كانت استجابة لصدّ أخطار كبيرة هائلة على مستوى طاقات الأمّة كلّها.

ما يهمُّنا ليس ما آلت إليه تلك الحركات، فالتاريخ الموضوعى سيحاكم وسيحكم، لكنّنا، اليوم وفى هذه اللحظة المتفجّرة الملتهبة من مسيرة الأمة، تعنينا تلك الحركات كرمز للاستجابة للتحدّى والأخطار وكطريق عقلانى مقنع يكاد يكون لا بديل عنه، تحت كذا ظروف وكذا أخطار.

•••

وإذن سنجمل كل ما سبق فى السؤال التالي: أليست الهجمة الصهيونية – الإمبريالية، تعاونها مع الأسف بعض قوى الداخل، أليست تلك الهجمة الهادفة لتمزيق وتفتيت الأقطار العربية الحالية لتصبح كنتونات قبيلة أو طائفة أو عرقا ضعيفة تابعة مستباحة من قبل القوى العسكرية أو الاقتصادية أو المالية الخارجية، ويالتالى لتبقى هذه الأمة على هامش العصر إن لم تكن خارجه... أليست تلك الهجمة المذلّة المبكية المستهزأة كافية لشعور البعض بأن شيئا كبيرا يجب أن يحدث، وفى الحال على مستوى الأمّة الواحدة والوطن الكبير الواحد والمصير المشترك الواحد والنضال الشعبى الواحد ؟ هل سيقبل هذا الجيل أن يكون السّابقون أكثر شجاعة وحكمة من اللاّحقين ؟ ليست هذه أسئلة الحنين للماضى، إنها أسئلة المستقبل الوجودية.

أما فى حقل الدين فإن المصائب والمحن أصبحت تتسابق مع المصائب السياسية الوطنية منها والقومية. لقد أصبح نمو الفطر العبثى المتعاظم للقوى التكفيرية الجهادية، الممارسة لأقبح أنواع العنف الشيطانى تجاه الأبرياء فى كل أنحاء العالم، أصبح قضية دولية تصبّ فى صالح مشوهى ومحاربى الإسلام والمسلمين.

وفى داخل عالم الإسلام وصل جنون إدخال السنّة والشيعة فى صراعات سياسية عبثية، تحت غطاء عباءة طائفية لا تمتُّ للإسلام بصلة، وصل إلى قرب إدخال المسلمين فى حروب لا نبالغ إن قلنا إنها ستهدد وجود الإسلام نفسه.

فإذا أضيف إلى ذلك دخول الإعلام الإسلامى، عن طريق جهلة وانتهازيين وزبونيين، فى نشر ثقافة إسلامية بالغة التخلف والتزمُّت والجهل بالعصر وحضارته، فإننا أمام أخطار انحرافات فكرية وفقهية فى صلب رسالة العدل والحق والقسط والميزان التى جاء بها نبى الإسلام (صلعم).

•••

أمام هكذا أخطار وفواجع ينتظر الإنسان أن مؤسسة أو جبهة أو جماعة من علماء الدين الإسلامى ستولد من هذا الرُّكام تجمع ممثّلين مستقلين عن الشيعة بكل مدارسهم وأهل السنة بكل أطيافهم ومدارسهم وأتباع الأباضية والزيدية وكل مذهب ينتمى إلى دين الإسلام، وذلك من أجل التصدى لكل تلك الأخطار، باسم الإسلام الجامع وليس المذاهب المختلفة، لا قولا فقط وإنما فعلا أيضا.

لكن ذلك لا يحدث، ولا تسمع إلا صوتا فرديا من هنا أو بيانا لفئة مذهبية من هناك أو فتوى خجولة من جهة رسمية. الارتفاع بالعمل السياسى إلى مستوى الأمّة وبالنشاط الدينى إلى مستوى الدّين وليس المذهب هما تحديان ينتظران الاستجابة لهما، ومرور الوقت لن يرحم. ولنا عودة للموضوع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved