مراتب الصوم

شوقي علام
شوقي علام

آخر تحديث: الجمعة 19 يونيو 2015 - 10:55 ص بتوقيت القاهرة

للصوم بحسب حقيقته الروحية ثلاث درجاتٍ؛ صوم العمومِ، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.

أما صوم العمومِ فهو كف البطنِ والفرجِ عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوصِ فهو كف السمعِ والبصرِ واللسانِ واليدِ والرجلِ وسائِرِ الجوارِحِ عنِ الآثامِ.

وما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الأمور الدنِيةِ والأفكارِ الدنيوِيةِ، وكفه عما سِوى اللهِ عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر فى هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر فى الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين، والمقربين.

وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمورٍ:
الأول: غض البصرِ وكفه عنِ الِاتساعِ فِى النظرِ إِلى كل ما يذم ويكره وإِلى كل ما يشغِل القلب ويلهِى عن ذكر الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله أتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته فى قلبه)

الثانى: حفظ اللسان عن الهذيان والكذِبِ والغيبةِ والنمِيمةِ والفحشِ والجفاءِ والخصومةِ والمِراءِ وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان.

وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم. وروى ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب.

الثالِث: كف السمعِ عنِ الإِصغاءِ إِلى كل مكروهٍ؛ لِأن كل ما حرم قوله حرم الإِصغاء إِليهِ ولِذلِك سوى الله عز وجل بين المستمع وأكلِ السحتِ فقال تعالى: (سماعون لِلكذِبِ أكالون للسحت) وقال عز وجل: (لولا ينهاهم الربانِيون والأحبار عن قولِهِم الإِثم وأكلهم السحت) فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى: (إنكم إذا مثلهم) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم المغتاب والمستمع شريكان فى الإثم.

الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكارِهِ وكف البطنِ عنِ الشبهاتِ وقت الإِفطارِ، فلا معنى للصوم وهو الكف عنِ الطعامِ الحلالِ ثم الإِفطارِ على الحرامِ، فمِثال هذا الصائِمِ مِثال من يبنِى قصرا ويهدم مصرا.

الخامِس: ألا يستكثِر مِن الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما مِن وِعاءٍ أبغض إِلى اللهِ عز وجل من بطن مليء مِن حلالٍ.

وكيف يستفاد مِن الصومِ قهر عدو اللهِ وكسر الشهوةِ إِذا تدارك الصائِم عِند فِطرِهِ ما فاته ضحوة نهارِهِ، وربما يزِيد عليهِ فِى ألوانِ الطعامِ حتى استمرتِ العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فِيهِ ما لا يؤكل فِى عِدةِ أشهرٍ. ومعلومٌ أن مقصود الصومِ الخواء وكسر الهوى لِتقوى النفس على التقوى، وإِذا دفِعتِ المعِدة مِن ضحوةِ نهارٍ إِلى العِشاءِ حتى هاجت شهوتها وقوِيت رغبتها ثم أطعِمت مِن اللذاتِ وأشبِعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث مِن الشهواتِ ما عساها كانت راكِدة لو ترِكت على عادتِها، فروح الصومِ وسِره تضعِيف القوى التِى هِى وسائِل الشيطانِ فِى العودِ إِلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التى كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه، بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم فى كل ليلة قدرا من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان ألا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء. هذا ملخص كلام حجة الإسلام الغزالى رحمه الله فى الإحياء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved