فاصل سوريالى.. تظاهرات للسلطة اللبنانية تعمُّ البلاد!

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 19 يونيو 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتبة باسكال صوما، تعجبت فيه من تأييد التيار الوطنى الحر، الذى يعرقل تشكيل الحكومة، للإضراب العام الذى ينظمه الاتحاد العمالى العام وكأنه يتظاهر ضد نفسه!، ومتسائلة عن دور الاتحاد فى الدفاع عن حقوق العمال ومتهمة إياه بأن اسمه يذكر فى سياقات مناصرة للسلطة بينما ظل صامتا عند انهيار الليرة اللبنانية، واحتجاجات أكتوبر 2019، وانفجار المرفأ، وارتفاع نسبة البطالة... جاء فيه ما يلى.

حشد «الاتحاد العمالى العام» السلطة بأركانها وأدواتها وأحزابها، واتفق الجميع على إضراب عام شامل لجميع العاملين والموظفين والنقابيين، بما فيهم «جمعية المصارف» التى أعلنت إقفال أبوابها. بدت الصورة فى البداية أن مناصرى «تيار المستقبل» و«حركة أمل» نزلوا للتظاهر ضد «التيار الوطنى الحر» الذى يعرقل تشكيل الحكومة وفقهما. إلا أن التيار الوطنى ذاته ما لبث أن سارع بدوره إلى إعلان تأييده تظاهرة «الاتحاد العمالى العام». وبذلك يمكن القول إن السلطة كلها تتظاهر ضدّ جهة ما، قد تكون نفسها!
وبذلك «تحت شعار الإسراع وعدم التلكّؤ فى تأليف حكومة فورا»، اجتمع الاتحاد العمالى مع جميع معرقلى الحكومة العتيدة ومؤلفيها، من أجل الاعتراض على عدم تشكيلها، من دون تجاهل الشعارات المعيشية الرنانة التى تحترف السلطة السياسية التستّر خلفها، وكأنّ الأزمة الاقتصادية التى تعيشها البلاد تسبب بها زلزال أو كارثة طبيعية أو لعنة ربانية، فى تهرّب واضح من مسئولية جميع أركان السلطة عن الانهيار متعدد الجوانب.
ربما سأل كثيرون فى خضم الحماسة ليوم الغضب هذا، «ما هو الاتحاد العمالى العام أصلا؟»، إنه لسؤال مشروع، ذلك أن اسمه نادرا ما يذكر إلا فى سياقات تعبيد الطرق لرغبات السلطة والاحتجاج بالاتفاق معها.
تأسس «الاتحاد العمالى العام» فى 1 مايو 1970، بعد مسارات نضالية عمالية طويلة، منها العاميات و«اتحاد عمال لبنان»، (دفعت إلى إقرار قانون العمل وتحسين ظروف العمال)، ثمّ جاءت الحرب وبعدها الوصاية السورية التى كان أبرز أهدافها، تصفية الاتحاد العمالى العام وإفراغه من المعنى، بالتعاون مع القوى السياسية اللبنانية الفاعلة حينها. وهذه القوى سطت سطوا كاملا على «الاتحاد العمالى العام» الذى فقد دوره وحيثيته ومكانته كأعلى قوة منظمة لعمال لبنان.
فوفق دراسة أعدّها الاتحاد الأوروبى ومؤسسة «فريدريش إيبيرت» عام 2002، تبيّن أن عدد المنتسبين إلى جميع الاتحادات التى تكوّن «الاتحاد العمالى العام» يقدّر بـ58690 منتسبا من أصل 745760 عاملا وأجيرا يحق لهم الانتساب، وفقا لدراسة القوى العاملة الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزى. وبذلك يمكن القول إن «الاتحاد العمالى العام» لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من القوى العاملة، إذا اعتبرنا أن المنتسبين إليه ناشطون أصلا أو موجودون. فبالعودة إلى عدد المقترعين فى انتخابات هذه النقابات كمؤشر إلى التمثيل الفعلى، يتبيّن أنهم لا يتجاوزون 3.5 فى المائة من عدد الأجراء، وفق الدراسة. وما ذلك سوى دليل على سيطرة السياسة والأحزاب على العمل النقابى، الذى تحوّل إلى مجرّد أداة تستخدمها السلطة حين تُحشر شعبيا فى الزاوية.
وسطوة السياسة على عمل «الاتحاد العمالى العام» يتعارض بطبيعة الحال مع نظامه الداخلى، الذى وفق مادته الرابعة، «الاتحاد العمالى العام فى لبنان مستقل عن كل حزب سياسى أو فئـة سياسية ولا يستلهم فى مجال نشاطه سوى المصلحة العامة للعمال فى لبنـان».

الصمت والبصيرة
منذ احتجاجات عام 2015 مع تراكم النفايات على الطرق وتحوّلها إلى أزمة جامحة، وتزامنا مع مطالبات «هيئة التنسيق النقابية» بسلسلة الرتب والرواتب، سجّل «الاتحاد العمالى» غيابا واضحا عن صوت الشارع. وانسحب ذلك على احتجاجات أكتوبر 2019. فقد نزل الجميع إلى الشارع باستثناء «الاتحاد العمالى العام»، الذى يفترض أن يكون محرّك الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والمحرّض الأول على التظاهر والاحتجاج.
وواصل الاتحاد صمته، مع انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، وثبات الحد الأدنى للأجور على عتبة الـ675 ألف ليرة، التى لم تعد تكفى لشراء خبز وحليب. وحتى بعد انفجار مرفأ بيروت، حافظ الاتحاد العمالى على «الصبر والبصيرة»، وضبط أعصابه، ولم تهزه البطالة التى طاولت أكثر من مليون شخص وفق «الدولية للمعلومات». وتحمّل المرارة، حتى حين بات أكثر من 50 فى المائة من اللبنانيين/ات تحت خطّ الفقر، فى حين تخطّت نسبة التضخّم 140 فى المائة عام 2020، ومع صرف آلاف العمال وإقفال عدد كبير من المؤسسات.
وصمد أمام الصعاب يوم سرقت الدولة ومصارفها أموال المودعين (البالغة 127 مليار دولار وفق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة) بكل وقاحة.
لكنّ كيل «الاتحاد العمالى العام» طفح تماما ونفد صبر السنوات، فقرر إعلان إضراب عام يوم 17 يونيو 2021. وبسرعة حاز تأييد الأصدقاء فى الأحزاب اللبنانية، التى دعت جماهيرها إلى المشاركة فى الاحتجاجات، دعما لحليفها القديم «الاتحاد العمالى العام»!
هذا فيما يقف «اتحاد الشغل التونسى» (الذى يفترض أن يكون مرادفا للاتحاد العمالى اللبناني) فى وجه حكومة هشام المشيشى فى إجراءات رفع الدعم عن المواد الأساسية. و«اتحاد الشغل التونسى» يشكل منذ انطلاق شرارة الثورة التونسية عام 2011 كابوسا يوميا للسلطة، إذ لا يتوقف عن قتالها دفاعا عن حقوق العمال والفقراء. أما هنا فى لبنان، فيتصافح اتحاد العمال مع السلطة، ضد الناس!
النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved