ذات ليلة صيف فى شوارع تركيا

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الثلاثاء 19 يوليه 2016 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

«العلمانية التركية هى طفل أثمره زواج الإسلام من الديمقراطية، والجيش هو الطبيب الذى يعرف كيف يعالج هذا الطفل، ويقرر له الدواء بناء على تشخيص المرض، حتى يتم الشفاء».

هكذا تحدث أحد قادة الانقلاب العسكرى الرابع فى تاريخ الجمهورية التركية عام 1997، الجنرال شفيق بير، عما يمكن اعتباره عقيدة للجيش التركى، منذ الإطاحة بالسلطان العثمانى الأخير، وأساطيره وأوهامه.

الدولة التركية هى الابنة الشرعية لانقلاب عسكرى ضد السلطنة العثمانية العتيدة، ومنذ إعلان الجمهورية التركية عام 1923، ينظر الأتراك بامتنان للجيش الذى نقل بلدهم للعصر الحديث، حتى وصل تيار الإسلام السياسى الهادئ إلى الساحة فى الخمسينيات مع حزب الديمقراطية، وزعيمه عدنان مندريس، الذى سيموت مشنوقا فى الانقلاب العسكرى الأول على الجمهورية، عام 1960، بتهمة محاولة قلب النظام العلمانى وتأسيس دولة دينية.

فى 1971 انقلب الجيش على سليمان ديميريل رئيس حزب العدالة اليمينى المعتدل، بعد إنذار يطالبه بوضع حد للفوضى والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، التى تطورت إلى هجمات على طريقة حرب العصابات. وينظر كثير من الأتراك إلى تلك السنوات العصيبة على أنها كانت من تدبير أطراف استفادت من الكوارث، على رأسها الجيش نفسه، حتى يتسنى له أن يشكو من الفوضى، ومن ثم يتدخل.

تواصلت الفوضى والتراجع الاقتصادى والتضخم حتى موعد الانقلاب الثالث فى 1980. كان الجيش أكثر صراحة وهو ينقلب على أول حزب ذى ميول إسلامية واضحة، حزب السلامة الوطنى، بذريعة وقف موجات العنف اليمينى واليسارى، والصراع السياسى والطائفى.

فى الانقلاب الرابع عام 1997 أجبر الجيش حكومة حزب الرفاه الإسلامى، على حظر حجاب الفتيات فى الجامعات، وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن والطرق الصوفية، وحظر انتقاد المجلس العسكرى فى الإعلام. وحتى هذا الانقلاب الذى يوصف بأنه كان ناعما، استند إلى أعمال عنف فى الجماعات، وتصاعد للحركات الإسلامية التى ترفع ملصقات حزب الله وحماس.

الانقلاب الأخير سقط فى كل الأخطاء التى تضمن له الفشل الباهر. يرصد مصطفى اللباد، المتخصص فى الشأن التركى، سبعة أسباب لفشل المحاولة الانقلابية الأخيرة، فى مقاله بصحيفة السفير تحت عنوان تركيا: لماذا فشل انقلاب 2016؟، وأضيف إليها سببا ثامنا، هو أن العسكريين نسوا الدرس الأول الذى يضمن النجاح، وهو التمهيد النيرانى بسنوات من الفوضى والعنف والاحتقان المجتمعى.

الفوضى هى الحاضن الأول لأى تحرك سياسى يعد الجماهير بالاستقرار، ويطمئنهم إلى أن هناك مستقبلا هادئا فى انتظارهم. وما حدث كان العكس، كان البيان رقم واحد هذه المرة يهدد الاستقرار والطمأنينة، فهرع الشعب إلى الشوارع لتحقيق عدة أهداف مبدئية، ليس من بينها دعم «الزعيم المحبوب أردوغان». خرج الناس ليغلقوا صفحة تدخل الجيش فى السياسة كلما أراد، وليدافعوا عن الانتعاش الاقتصادى فى السنوات الأخيرة، بمن فيهم المعارضة العلمانية والمدنية، أولئك الذين يتهمون أردوغان بالتشدد فى علاج ملفات الاحتقان الداخلى، والتخبط فى السياسات الإقليمية والدولية.

لم تكن إذن خطبة الزعيم القصيرة من الموبايل، بل كان قرارا من الناس نفذوه بأيديهم، ذات ليلة صيف فى شوارع تركيا، أو كما وصفت الصحفية التركية أمبرين زمان لحظة الهلع عبر تغريدة بأنها «لحظة نادرة من التوحد القومى بالأحزاب الأربعة الممثلة فى البرلمان لمعارضة المحاولة».
لهذه الأسباب نزلت مواكب السيارات، واحتشد الألوف، لكن ولم تظهر فى صخب المشهد الأول صورة واحدة لأردوغان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved