«كتائب الشيشانى».. ولادة مشبوهة ورسائل متشعبة

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأربعاء 19 أغسطس 2020 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب عبدالله سليمان على، تحدث فيه عمن يقف وراء كتائب الشيشانى ذاكرا عدة سيناريوهات وما غرض هذه الكتائب.. نعرض منه ما يلى.
من مخاض العداء للدوريات الروسية – التركية المشتركة، ولدت «كتائب خطاب الشيشانى». أبوةُ هذه الجماعة الوليدة حديثا، ما تزال محل شكوك وتساؤلات. لكن اللمسة النخبوية فى عمليتها الانتحارية الأولى، التى استهدفت دورية روسية – تركية على طريق 4M بالقرب من قرية القياسات فى الرابع عشر من الشهر الماضى، تشى بأن ثمة من يراهن بجدية على إجهاض التفاهمات التركية ــ الروسية والعودة بالمنطقة إلى مربع التصعيد والقتال.
شهد، يوم الإثنين، استهداف الدورية الروسية – التركية رقم 24 عبر قذيفة آر بى جى (حسب الأنباء الأولية) أصابت عربة عسكرية تركية ودمرتها جزئيا، لتكون بذلك ثانى دورية مشتركة تتعرض للاستهداف بعد العملية النوعية التى نفذها الانتحارى أبو عبيدة الأنصارى ضد الدورية رقم 21، وقد تبنى المسئولية عنها، فى حينه، تنظيم جديد أطلق على نفسه اسم «كتائب خطاب الشيشانى» الذى لم يتأخر فى تبنى العملية الثانية، مؤكدا على مواصلة نهجه فى «تنفيذ العمليات القاصمة ضد الدوريات التركية الروسية الصليبية وذلك فى رسالة واضحة لهم»، حسب بيان نشرته القناة الرسمية للكتائب على موقع تلغرام.
ولا شك فى أن كتائب الشيشانى تكون من خلال تنفيذ العملية الثانية، قد نجحت فى تحقيق إضافة جديدة على رصيدها المفتوح حديثا، وفى تسليط الضوء عليها باعتبارها جماعةٌ ناشئة من شأن تصاعد دورها أن يهدد سياسة التهدئة المعتمدة فى إدلب حسب التفاهمات الروسية التركية وآخرها اتفاق الخامس من شهر مارس.
وجاء ظهور كتائب الشيشانى بينما كانت الأجواء فى إدلب تشير إلى وجود مناخ مهيأ لتحييد الفصائل المتشددة ومنعها من عرقلة تنفيذ الاتفاق الروسيــ التركى. وكان من المتوقع أن تشكل الحملة التى قادتها «هيئة تحرير الشام» ضد غرفة عمليات «فاثبتوا» المكونة من فصائل مقربة من تنظيم «القاعدة» أو مبايعة له، وعلى رأسها جماعة «حراس الدين»، الخاتمة السعيدة لمختلف الأطراف المعنية بمحاربة الخارجين عن أطر التفاهمات الإقليمية والدولية. غير أن التفجير الانتحارى الذى استهدف الدورية 21، والموقع باسم الفصيل الجديد، جعل ولادة كتائب الشيشانى بمثابة انقلاب على هذه الأجواء التفاؤلية.
هذا الانقلاب الميدانى الذى دفع روسيا قبل أيام قليلة إلى إعلان تعليق تسيير الدوريات المشتركة على طريق M4، قبل العودة إلى استئنافها فجأة ومن دون تمهيد، قد يكون مجرد تعبير عن عدم رضا شريحة من مقاتلى إدلب عن المسار التركى – الروسى فوضعوا نصب أعينهم العمل على إفشاله، لكنه أيضا قد يكون أوسع من ذلك، وقد يشير إلى وجود قوى أخرى إقليمية أو متطرفة أرادت اقتناص اللحظة من أجل خلط الأوراق فى منطقة إدلب لخفض التصعيد. وفى كلتا الحالتين فإن كتائب الشيشانى ستكون محور البحث والسؤال لمعرفة طبيعتها وارتباطاتها وأهدافها الحقيقية.
***
فى هذا الإطار، لم يستبعد البعض أن تكون كتائب الشيشانى صنيعة الاستخبارات السورية والإيرانية التى لها مصلحة – حسب هؤلاء ــ فى إفشال الاتفاق الروسى التركى والعودة إلى الحل العسكرى. بينما ذهب البعض الآخر إلى وجود خطة تقودها دول خليجية تهدف إلى إحراج أنقرة وإظهارها بمظهر العاجزة عن الالتزام باتفاقاتها الموقعة مع موسكو، فى حين كان لقسم ثالث رأى يقول بأن أبو محمد الجولانى زعيم هيئة تحرير الشام، وجهازه الأمنى، هما من يقفان وراء تشكيل كتائب الشيشانى كى تكون بمثابة الأداة الجاهزة لتنفيذ المهمات القذرة التى لا يستطيع الجولانى تبنيها علانية لأنها تتنافى مع الصورة الجديدة التى يعمل على تسويقها لنفسه باعتباره قائدا سياسيا يقود عملية تحرير وطنية ضد المحتلين الروسى والإيرانى.
وسط ذلك يبقى احتمالان اثنان: الأول أن تكون كتائب الشيشانى مجرد عنوان جديد لخلايا تنظيم «داعش» التى كانت منذ شهور عديدة محل تجاذبات بين القوى المتطرفة من أجل إعادة دمجها فى المشهد الإدلبى. وقد نشر موقع 180 بوست فى أواخر شهر نوفمبر من العام الماضى تقريرا بعنوان «جهود لدمج خلايا داعش فى إدلب وشرعنتها جهاديا».
وقد ذكر التقرير أن الشيخ الأردنى أبو محمد المقدسى الذى يعتبر من أبرز المرجعيات الدينية للفكر المتطرف، يقود مساعٍ حثيثة لبناء جسور تواصل بين بعض قيادات وخلايا «داعش» الوافدة فى إدلب من جهة، وبعض قيادات الفصائل التى يمون عليها من جهة ثانية.
ولعل ما يعزز هذا الاحتمال أن الإصدار المرئى الذى نشرته كتائب الشيشانى لتوثيق العملية الانتحارية الأولى التى نفذها ضد الدورية المشتركة، استثنى «داعش» من حملة الانتقادات التى شنها ضد مختلف الأطراف، بدءا من روسيا وتركيا متهما إياهما بالاحتلال وتدمير مدن المسلمين، ومرورا بهيئة تحرير الشام باعتبارها نكثت بوعدها الذى قطعته على لسان زعيمها الجولانى بعدم السماح بمرور الدوريات المشتركة، وانتهاء بغرفة عمليات «وحرض المؤمنين» التى اكتفت بالاستنكار والتنديد لمواجهة التفاهمات الروسية التركية.
جميع الاحتمالات واردة، ومن غير المستبعد أن يكون ثمة جناح داخل هيئة تحرير الشام متورط فى تشكيل التنظيم الجديد، كما من غير المستبعد أن تكون الاستخبارات التركية قد غضت طرفها عن ظهوره.
كما أن الإصدار شبه الغارات الروسية على مناطق إدلب بالغارات التركية على مدينة الباب عام 2016 عندما قادت تركيا معارك طرد تنظيم «داعش» منها.
وعلاوة على ذلك، فقد سبق لديوان الإعلام المركزى فى «داعش» نشر مقالة ملفتة فى العدد 211 من صحيفة النبأ حملت عنوان «حرب المعابر والطرق فى إدلب». وتضمنت المقالة ما يمكن اعتباره أوضح قراءة يقدمها تنظيم «داعش» لواقع الحال فى إدلب، كاشفا فى الوقت ذاته عن رغبته فى اختراق هذا الواقع، وربما العمل على قلبه رأسا على عقب، وهو ما أشار إليه تقرير منشور فى موقع 180 بعنوان «داعش يصوب على إدلب انطلاقا من حرب المعابر والطرق».
ويظل اغتيال أبى بكر البغدادى زعيم التنظيم الراحل فى ريف إدلب، بمثابة اللغز الذى من شأن فك شيفرته أن يكشف عن حقيقة مخططات التنظيم لهذه المحافظة وماذا كان يرسم لها حتى اختارها لتكون ملاذا لزعيمه الهارب من آخر هزائمه فى بلدة الباغوز بريف دير الزور.
***
أما الاحتمال الثانى، فيتمثل فى وجود نخبة من المقاتلين الأجانب والسوريين ممن قرأوا المشهد الإدلبى على ضوء التدخلات الخارجية ووجدوا بين ازدحام اللاعبين ثغرات يمكن لهم استغلالها من أجل العمل على تغيير الواقع وخلط أوراقه مستندين إلى تضارب مصالح وتناقض أهداف هؤلاء اللاعبين بما يتيح لهم تشكيل فصيل جديد قد يكون مؤهلا لوراثة الأدوار التى تقوم بها بعض الفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.
جميع الاحتمالات واردة، ومن غير المستبعد أن يكون ثمة جناح داخل هيئة تحرير الشام متورط فى تشكيل التنظيم الجديد، كما من غير المستبعد أن تكون الاستخبارات التركية قد غضت طرفها عن ظهوره، وذلك لأن كلا الطرفين يواجهان تحديات معقدة فى إدلب وقد يحتاجان من أجل مواجهتها إلى وجود فصائل متمردة تكون بمثابة المبرِر لدعساتها الناقصة فى سياق الانعطاف والتحول، أو بمثابة الذريعة لإبقاء المشهد الإدلبى مفتوحا على احتمالات أخرى تختلف عما ترسمه الدبلوماسية الروسية، متى ما سمحت الظروف والتطورات بذلك.
النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved