هل انتصرت طالبان على أمريكا أم انهزمت أمريكا أمام طالبان؟

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الخميس 19 أغسطس 2021 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

سيطرت حركة طالبان على أفغانستان فى أسابيع قليلة واجتاحت العاصمة كابول فى ساعات من جميع الاتجاهات فى مشهد درامى نقلته وكالات الأنباء على الهواء مباشرة. ولعل المشهد الرمزى الأهم لم يكن فقط إجلاء الموظفين الأمريكيين من سفارة بلادهم بالمروحيات، فى تكرار لما حدث قبل 46 عاما فى سيجون بفيتنام بعد هزيمة القوات الأمريكية وانسحابها تحت ستار «الخروج المشرف»، ولكن المشهد الرمزى هو مشهد آلاف الأفغان الفارين من العاصمة كابول واللاجئين لمطارها الدولى ــ مطار حامد كرزاى ــ واعتلائهم سلالم الطائرات وسقوط ضحايا فى محاولة للخروج قبل أن تعود لتلتقطهم القوات الأمريكية وحلفائها حفظا لماء الوجه. هذا والرئيس الأفغانى له مسئولية مباشرة عما جرى، فلقد اشترطت طالبان استقالته لإتمام مباحثات السلام، ولو فعلها لأمكن الوصول لاتفاق حول تقاسم السلطة، لكنه عمى السلطة والتشبث بالكرسى كالعادة ما دفعه للتحول إلى لاجئ فار بحقيبة أموال بدلا من قتيل. وفى مشهد آخر رمزى، نقلت وكالات الأنباء العالمية صورة جماعية لمجموعة من طالبان تجلس على مكتب الرئيس، فى إشارة لحسم الموضوع وانتصار طالبان بدون قيد أو شرط!.
•••
ثلاث نقاط قد تشرح ما إذا كانت طالبان انتصرت، أم أمريكا انهزمت. الأولى، الهدف من الغزو الأمريكى واحتلاله أفغانستان لمدة 20 عاما. ولأن الهدف المعلن تغير من وقت إلى آخر، فإن عملية التقييم بحاجة للتدقيق. فأول هدف كان القبض على بن لادن ومحاكمته بتهمة التخطيط لأحداث 11 سبتمبر 2001، وهو ما لم يحدث، حيث قتلوا بن لادن ومعه أسراره. ثم تحول الهدف لتفكيك القاعدة وضرب شبكتها حول العالم. وهو أيضا ما لم يحدث، والأشهر القادمة ستثبت ما إذا كان تنظيم القاعدة، والجهاد، وغيرهما سيجدون ملاذا آمنا فى أفغانستان ويستعيدون الحيوية، ويعاودون نشر شبكاتهم فى العالم. أما الهدف الذى طرأ على أجندة الاحتلال الأمريكى لأفغانستان فهو إعمار البلد وبناء قدراتها المسلحة من أجل الوقوف ضد طالبان، وبناء مؤسسات تستطيع إدارة وقيادة الدولة. وهو ما لم يحدث أيضا. فالولايات الأمريكية وحلفاؤها أنفقوا 88 مليار دولار على بناء الجيش الأفغانى، الذى وصل تعداده إلى 300 ألف مقاتل. وفى أول مواجهة وطنية وحقيقية مع طالبان، تبخر الجيش وكأنه لم يوجد. ولم تجد أمريكا مفرا إلا لنقل عشرات الآلاف من المعدات العسكرية فى أثناء عملية الإجلاء التى تنفذها. ومع هذا سقط فى يد طالبان 17 ألف قطعة سلاح حديث وكل القواعد الأمريكية فى البلاد. وحفظا لماء الوجه، فإن الجيش الأمريكى سلم الجيش الأفغانى القواعد ومنها قاعدة بيجرام العسكرية، التى كانت مركز القيادة الأمريكى فى الحرب على الإرهاب. ثم سلم الجيش الأفغانى القواعد لطالبان، أو بالأحرى تلاشى منها واجتاحتها طالبان بدون إطلاق طلقة واحدة. هذا ولقد كلفت الحرب أمريكا فى أقل التقديرات حوالى تريليون دولار، ذهب منها 150 مليار دولار لإعادة الأعمار، وكل هذا وصل بالتمام لطالبان.
•••
النقطة الثانية سياسية، وفى دهاليز السياسة قد تجد مبررات لما حدث. فإليك ما قاله الرئيس الأمريكى بايدن عندما سأله صحفى يوم 8 يوليو، هل ستجتاح طالبان كابول وتعيد مشهد اقتحام الشيوعيين لسجون فى فيتنام؟ وكان رد الرئيس الأمريكى «صفر ــ لن ترى هذا المشهد ــ لن ترى الحوامات تنقل موظفى السفارة الأمريكية من على أسطح السفارة»، وهو ما حدث فى أسابيع قليلة! ثم ننتقل لتقديرات المخابرات المركزية الأمريكية، التى قدرت بأن طالبان بحاجة إلى ثلاثة أشهر للسيطرة على البلاد وتهديد العاصمة، ثم فى خلال 72 ساعة سقطت كابول نفسها! ووجد وزير الخارجية الأمريكى بلينكن نفسه فى موقف محرج خلال استضافته فى البرامج الحوارية ليلة سيطرة طالبان على كابول، وأخذ يبرر ما حدث بأنهم فى إدارة بايدن تفاجأوا بسرعة الاجتياح من ناحية وسرعة انهيار الجيش الأفغانى ومؤسسات الدولة وسقوطهم فى يد طالبان. وتبارت الصحف الأمريكية فى تسليط الضوء على التقارير المنمقة التى كانت ترفعها القيادات العسكرية للقيادات السياسية، بينما تعج شهادات عشرات الضباط الميدانيين بأن قدرات الجيش الأفغانى مبالغ فيها جدا، ولا يستطيع صد طالبان، وهو ما يفتح الباب لسؤال، هل فعلا أكل الفساد مليارات الدولارات التى أنفقت على الجيش الأفغانى؟ وهل استحوذت الواسطة والمحسوبية على عشرات المليارات الموجهة لإعادة الإعمار ولم تفلح فى خلق طبقة اجتماعية تفرز تيارا مضادا لطالبان؟ أسئلة حائرة سيجيب عنها كالعادة دراسات من مراكز بحثية غربية مرموقة، لكن لا نعرف ما إذا كانت ستذوق الواقع مثلما تم فبركة التقارير عن الحال داخل أفغانستان أم لا! على كل حال، سيطرة طالبان على العاصمة عنوة، وبالقوة، يؤكد، أن حسابات القوة والواقعية لا معنى لها أمام الأيديولوجيا. فحركة طالبان بالكاد 80 ألف مقاتل مقابل 300 ألف عسكرى مدرب من أقوى جيوش العالم!.
•••
النقطة الأخيرة خاصة بالإقليم. فلقد أهملت أمريكا نصائح باكستان التى كانت ترى أن الحل فى أفغانستان سياسى، وراهنت على الرئيس الهارب واستراتيجيته العسكرية، الذى لم يستطع حتى البقاء حتى إتمام الانسحاب! وفى نفس المقام، تقاربت أمريكا بشكل ملحوظ مع الهند لتوازن النفوذ الصينى المتنامى، بينما تعتبر باكستان هذا التقارب مهددا لمصالحها. وفى الوقت الذى يقول فيه الرئيس بايدن ووزير خارجيته سيمثل الانسحاب مشكلة لدول الجوار التى عليها العمل لدرء الخطر الطالبانى، فإن الصين استقبلت وفدا من طالبان، وأعربت عن استعدادها للتعامل معها! أما روسيا الغريم التاريخى لمجاهدى أفغانستان (المقاتلون فى سبيل الحرية كما كان يلقبهم الغرب حينها) فلقد أوقفت روسيا اعترافها بطالبان على سلوك الأخيرة نفسها! لاحظ، فى الوقت الذى تنسحب فيها جيوش أمريكا وحلفاؤها من وسط آسيا، ترسخ روسيا قواتها المتمركزة فى قواعد طاجيكستان وقرجيزستان، وتجرى تدريبات عسكرية متنوعة. هذا ولم تستجب أمريكا لعرض روسى لاستخدام قواعد الأخيرة فى وسط آسيا، وآثرت مجرد الرحيل. إذن، لو كان الانسحاب الأمريكى يهدف لخلق معضلة للصين وروسيا، فيبدو أن الأخيرتين قادرتان على التعامل مع طالبان. ويبقى الجانب الإيرانى، وسنرى هل تتحول طالبان لخنجر فى ظهر إيران وتساعد إقليم بلوشستان على الانفصال أم ستنجح إيران فى التفاهم مع طالبان؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved