عن « الحرب» العربية العربية بعنوان قطر: قواعد أمريكية وتركية جديدة.. ومليارات فى الهواء!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

يعيش «العرب» مسلسلا من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا فرق بين أقطارهم الغنية بالنفط والغاز أو الخبرات والكفاءات (كمصر، ولبنان..)، فاقمت منها وكشفتها ركاكة «العلاقات الأخوية» التى يفترض أنها تجمع بينهم برباط المصالح والمصير المشترك.

وإذا ما تركنا القضية الفلسطينية التى كانت تعتبر، ذات يوم، «مقدسة»، والتى تكاد اليوم تغرق فى بئر النسيان، يتولاها العدو الإسرائيلى وحده، بلا شريك، وإذا ما أرجانا الحديث عن مستقبل العراق المهدد بمخاطر مصيرية لا تقل فداحة عن الحرب على «داعش» وما كلفته من خسائر فى الأرواح والعمران.. وأرجأنا الحديث عن مستقبل سوريا المهددة فى وحدتها والتى يحتاج إعادة إعمارها إلى ما لا تقدر عليه بإمكاناتها التى ضيعت الحرب فيها وعليها الكثير منها.. إذا ما تركنا ذلك كله وركزنا على الحرب الضارية الناشبة الآن بين السعودية والإمارات والبحرين (وقد انضمت إليها مصر مدفوعة بالثأر البايت) من جهة وبين الإمارة المن غاز قطر، من جهة أخرى، لتبين لنا أن العرب قد اندثروا أو أنهم على وشك الاندثار.

لكأنما كان ينقص العرب هذه الأزمة الضاربة فى الخليج التى فجرت حربا ضروسا انطوى تحت لوائها الرباعى الذى أوله مذهب (السعودية) وأثقله وزنا بلد المائة مليون فقير، تتوسطه إمارات الشيخ محمد بن زايد الأغنى من قارون، وتتوسطه مملكة البحرين التى تعيش على «الشرهات» السعودية و«إيجارات» القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية فيها.
وهى أزمة متفجرة، حتى الساعة، وإن بقيت مجهولة الأسباب، فى الظاهر، لا يعرف أسرارها إلا بيت السر الأبيض ودوائر المخابرات البريطانية والروسية والفرنسية.. والإسرائيلية بطبيعة الحال.

***
لا قطر قادرة، لو زين لها غرورها، أن تنافس السعودية فى الثراء والدور السياسى، فكيف إذا كانت مصر معها (ولو لأسباب غير أسبابها) وكذا دولة الإمارات العربية المتحدة ثم مملكة البحرين..
ولا السعودية، ومن معها، قادرة على شن الحرب على الجزيرة المن غاز قطر، لأن الأصحاب الفعليين للنفط والغاز لا يريدون مثل هذه الحرب بل يريدون استمرار تدفق الثروة عليهم، بأبخس الأثمان، ولذلك فهم يمنعون الحرب فيها ومن حولها حتى لا يتكلفوا أكثر.

ثم إن من لم يعاقب قطر على التجرؤ على الإرادة العربية، والاعتراف بدولة الكيان الصهيونى ــ إسرائيل ــ وإقامة قنصلية إسرائيلية فيها سرعان ما تحولت إلى «سفارة»، ليس سهلا عليه الآن أن يعاقبها بسبب خلاف «محلى» تتبدى فيه الولايات المتحدة الأمريكية طرفا راعيا لاستمراره من دون أن ينفجر، محتفظة بقواعد الحل وتوقيته بين يديها..

وإذا كانت السعودية عزيزة على قلب الإدارة الأمريكية فقطر عزيزة عليها أيضا، بدليل الاهتمام الأمريكى الفائق بالخلاف واستثماره مع طرفيه السعودى والقطرى على شكل صفقات طيران وأسلحة قد لا تستخدم مطلقا ولكن المهم أن تدفع أثمانها نقدا.. ومن الطرفين السعودى، والقطرى، من دون أن ننسى الإمارات..

فالحرب بين ملوك النفط والغاز مجزية بالنسبة للغرب والشرق معا.. ولذلك فقد شدت اهتمام واشنطن كما موسكو وبرلين كما باريس ولندن وأنقرة التى رفضت وساطتها فاكتفت بحصتها من الغاز، وشراكة فى قاعدة العيديد العسكرية الأمريكية، مع ما تيسر من نفط السعودية والإمارات.

ولقد واتت الوساطة الكويتية واشنطن لتعزيز وجودها القوى فى كامل منطقة الخليج العربى، بذريعة مواجهة الطموحات الإيرانية، بينما حجم الفوائد الأمريكية من هذا الوجود أغلى من أن يقدر بثمن، سواء على صعيد الأرباح المباشرة، أم على الصعيد الاستراتيجى فى مواجهة إيران..
صحيح أن أكثرية عرب الخليج هم مع السعودية ضد قطر، ولكن هذه الدول أقل شجاعة من أن تتخذ قرارا همايونيا كذلك الذى اتخذته بحق سوريا قبل خمس سنوات أو ست، «فطردتها» من جامعة الدول العربية ثم حشدت المنظمات ــ أصولية وعسكرية، بما فيها «القاعدة«و «داعش» لقتال نظام بشار الأسد على امتداد الأرض السورية.

لذلك بقيت الحفلة التشهيرية بقطر خطابية من دون قرارات «حربية».. وحتى «المقاطعة» المعلنة تعرضت لاستثناءات أبرزها مع موسم الحج، ثم إن «الاختراقات» السعودية للنظام القطرى تبدت كاريكاتورية، فى حين ظلت «الجزيرة» أقوى من وسائل إعلام التحالف جميعا، بسبب من تراكم الخبرات وليس نتيجة صحة الموقف أو سلامة القرار.
***

على أن هذه الحرب الخليجية قد أساءت إلى صورة العرب فى العالم... فإذا بمشكلة عادية بين «الأشقاء الأغنياء» تلهب حربا عشوائية طاولت كل معانى الأخوة والمصير المشترك، بينما كان العدو الإسرائيلى يجرى أوسع مناورات عسكرية فى تاريخه، يحاكى بها «حرب تموز 2006» ضد المقاومة الإسلامية (حزب الله) فى لبنان، فلا تثير احتجاجا أو استنكارا أو حتى اهتماما وتساؤلا عن أهدافها الحقيقية وضد من هذا التمرين بالذخيرة الحية على الحرب الجديدة..

وبينما ينشغل العرب بحروبهم غير المبررة تمضى إسرائيل فى اختراق دولهم، لا سيما فى الخليج، سياسيا وعسكريا وتتبدى طرفا فاعلا فى الحرب على اليمن، ويهاجم طيرانها الحربى سوريا وهى منهكة فى حروبها ضد عصابات الإرهاب التى اجتاحتها من أدناها إلى أقصاها، وضربت فى لبنان ضربات «صوتية» لكنها ليست بلا صدى.. ولا تكف عن محاولة ابتلاع ما تبقى من فلسطين، وترعى عصابات الإرهاب التى لا تكف عن محاولة إيذاء الجيش المصرى فى سيناء.

بل أن إسرائيل تمنع التلاقى بين الفصائل الفلسطينية وتواصل ابتلاع أراضى السلطة الفلسطينية فى الضفة ولا تتوقف عن بناء مئات المستوطنات فى مختلف أنحائها، بما فى ذلك القدس، مما يجعل مستحيلا إقامة «الدولة الفلسطينية» العتيدة بعاصمتها القدس الشريف..

إن «الدول» جميعا، الغربية والشرقية، تتقاسم الآن غنائم الحرب الجديدة فى الخليج... وها هم قادة دول الخليج يتوافدون على عواصم الغرب والشرق، يشترون المزيد من السلاح مقابل النفط والغاز، وتسقط السعودية «الحرم» عن روسيا فتستقبل وزير خارجيتها، ويقرر الملك سلمان زيارة موسكو. وتوعز الرياض لرئيس حكومة لبنان بتمتين العلاقات مع روسيا، وإطلاق التعهدات عن المشاركة فى إعادة إعمار سوريا بعد تورطه فى حرب مفتوحة ضد النظام السورى لسنوات طويلة.

إن العالم يتغير.. والعرب يحاولون اللحاق متباعدين، متخاصمين، فيستدرجون دوله البعيدة إلى مزيد من التدخل فى شئونهم، وينسون روابط الأخوة فى ما بينهم فتذهب ثرواتهم وقيمتهم السياسية هباء..

خير مثال أن العيديد فى قطر، والتى كانت الممر البرى الوحيد إلى الإمارات قد طمعت فيها السعودية فطلبت الدوحة الحماية الأمريكية فكان الشرط الأمريكى الاعتراف بإسرائيل، وهذا ما كان.

فى انتظار اعترافات عربية جديدة بالكيان الإسرائيلى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved