حامد العويضى.. الإقامة فى «الحرف»

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

بالأمس فقط اجتمعت مجموعة من رفاق وأصدقاء فنان الخط العربى الراحل حامد العويضى أمام لوحاته فى بيت السنارى بالسيدة زينب فى أول معرض استعادى ينظم لأعماله بعد 9 سنوات من وفاته ويستمر لمدة أسبوع. 

ويواكب هذا المعرض الذى افتتحه الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة السابق الذكرى الستين لميلاد العويضى وجاء بمبادرة من أرملته منال الجسرى ومسعى من ولديه التوءمين عايدة وصلاح اللذين قدما من لندن حيث يدرسان السينما هناك، لإحياء ذكرى والدهما الراحل والتذكير بأعماله. 

وأبدت إدارة بيت السنارى التابع لمكتبة الإسكندرية ومديره الخلوق أيمن منصور تعاونا تاما لإقامة المعرض الذى كان فكرة تبناها قبل عامين الدكتور محمد أبو الفضل بدران حين كان أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة. 

ويقدر العارفون بفنون الخط القيمة الفنية العالية لأعمال العويضى التى انطلقت من هاجس أساسى هو تحرير الحرف العربى من إطاره التقليدى كنعصر زخرفى ليصبح فاعلا تشكيليا وعلامة قائمة بذاتها داخل اللوحة التى كانت الفضاء وليس فقط الإطار وفى سعيه لتحقيق ذلك أراد أن يظل خطاطًا وليس فنانًا حروفيًا، وانشغل طويلا بمدى انسجام الخامات اللونية ومسطح اللوحة فى العلاقة مع الحرف وسعى لأن يبقى فنانا فطريا تمسك بأقلام «البوص» وغامر بصهر ألوانه وتجهيزها من خامات طبيعية أعدها بنفسه من أصباغ الأكاسيد وزلال البيض وقشر البصل لتليين أقمشة التوال وأخشاب الابلاكاش خلال اعداد لوحاته المعلقة فوق جدران العديد من المؤسسات شاهدة على حضوره الذى يقاوم كل أشكال الغياب. 

وكانت أعماله محل اعجاب قامات فنية كبيرة أولها الفنان الكبير عبدالغنى أبو العنين «الأسطى الكبير» فى فنون التشكيل والإخراج الصحفى والذى كان «الأب الروحى» الأول للعويضى الذى تلقى خبراته الأولى فى المجال داخل صالة تحرير جريدة «الأهالى» وقت أن كانت حاضنة للمواهب الكبيرة شديدة الصلة بمدرسة روزاليوسف التى كانت مدرسة للهواء الطلق، أما الأب الثانى فهو فنان الكاريكاتير الراحل «حجازى» الذى فتح له قلبه وعقله وخصه بالكثير من أسرار رحلته وكان يترك رسوماته الكاريكاتيرية هدية لكل صحيفة يصمم العويضى شعارها 

وانظر فى أغلب الصحف والمجلات الموجودة الآن وستجد لمسة جمالية تركها فى العنوان الرئيسى سواء فى «الدستور» أو«الأهرام الرياضى» و«الأهرام العربى» وصحيفة «العربى الناصرى» أو «القاهرة» وكان دائمًا يقول «يتغير رؤساء التحرير ويبقى حرفى».
ورغم أنه كان أصغر عمرًا من كل خطاطى مصر، إلا أنه صمم العويضى شعار نقابة الصحفيين فهو ابن المهنة درسها فى كلية الإعلام ومن أجلها ترك دراسة الهندسة بعد عام دراسى واحد أدرك معه أن فن الخط هو طريقه الوحيد للتعبير عن ذاته التى كانت تنعم بالطمأنينة وتليق بمغادر وليس بعابر ترك ظله فى حياة من كل من عرفوه.

ولم تكن الصحافة إلا نداهة أخذت العويضى إلى عالم كبير بقى فيه وليا صوفيا بكل معانى الكلمة، وباب من الأبواب الكبيرة للعطاء فلم يكن مكتبه بالطابق الحادى عشر بالمبنى الجديد بمؤسسة الأهرام إلا نقطة عبور مرت منها مواهب كبيرة وجسرا عبرته الأرواح، وفيها من غمره الفيض ومن حاصره الفناء.

وحين غدر بنا وغادر عام 2008 كتبت أن تلك الحجرة لم تكن إلا ساحة «حضرة» غمرتنا فيها الموسيقى وأنشدنا حكايات كثيرة عن أولياء مصر وصانعى بهجتها وبناة وجدانها فمن سيد درويش عبرنا إلى محمود سعيد ومصطفى إسماعيل وجاورنا «جودة خليفة» وأحمد فؤاد نجم وكامل زهيرى أما رفاقه وكنت منه فلم يكونوا إلا «مريدين» تركوا أنفسهم لكل «ألوان الونس» التى جعلت كل ليل بعده وحشة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved