«موسوعة تاريخ السينما».. وقائع الزمن الضائع!

محمود عبد الشكور
محمود عبد الشكور

آخر تحديث: الخميس 19 سبتمبر 2019 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

لعل من أهم إصدارات 2019 هذا الجزء الثالث من «موسوعة تاريخ السينما فى مصر»، للمؤرخ والناقد الراحل أحمد الحضرى، وكان قد صدر جزءان فى حياته يؤرِّخ فيهما، بدقته المعهودة التى صارت مضرب الأمثال، لبدايات السينما فى مصر، وانتهى إلى العام 1940، ليبدأ الجزء الثالث، الصادر عن مكتبة الإسكندرية والهيئة المصرية العامة للكتاب معًا، من العام 1941 حتى العام 1945، وينتظر استكمال الموسوعة بجزئين قادمين.
أهمية هذه الموسوعة لا ترتبط فحسب بالدقة الشديدة لكاتبها، ولا فقط بالمجهود الذى بذله فى متابعة ما تنشره الصحف والمجلات عن السينما فى مجلدات وأضابير دار الكتب، أو فى زوايا المركز الكاثوليكى، أو فى البحث عن صور الأفلام وبياناتها، ولكن الأهمية تكمن بالأساس فى منهج العرض والتوثيق، الذى يبدأ ببيانات كل فيلم (مأخوذ فيما أظن من تترات الفيلم نفسه)، ثم يقدم الحضرى مقتطفات من النقد أو المراجعات للفيلم فى الدوريات، كما يستوعب الأمر كذلك تعليقات من الحضرى نفسه، وتنتهى كل سنة بأخبار متفرقة عامة عن السينما، بل وهناك أيضًا بعض الأخبار الطريفة عن نجوم السينما من ممثلين ومغنين، وأخيرًا يلخص الحضرى وقائع كل سنة فى سطور قليلة، توفر على القارئ المتعجل الوقت والجهد.
فى الجزء الثالث الذى يستعرض دفتر أحوال السينما المصرية، فى ذروة الحرب العالمية الثانية، الكثير من المعلومات المدهشة، لعل أغربها طفرة الإنتاج السينمائى الذى وصل إلى 41 فيلمًا عام 1945، فى وقتٍ كانت السينما تعانى فيه من صعوبات الحصول على الفيلم الخام المستورد بسبب الحرب، ولعل تفسير هذه الطفرة يرجع إلى ظهور طبقة أغنياء الحرب، الذين دخلوا إلى حقل السينما كممولين للأفلام، تكاثرت الأفلام وزاد عدد المخرجين، بل إن مخرجًا مثل نيازى مصطفى أخرج بمفرده خمسة أفلام فى العام 1944.
يلفت نظرنا أن معظم الإنتاج فى هذه الفترة كان يندرج تحت ثلاثة عناوين كبيرة هى: الميلودراما، والكوميديا، والفيلم الغنائى، وكانت هناك أفلامٌ قليلة مختلفة؛ مثل فيلم الفانتازيا «طاقية الإخفاء» إخراج نيازى مصطفى فى العام 1944، الذى تكلَّف، كما قال نيازى، 8500 جنيه، وحقق إيرادات وصلت إلى 250 ألف جنيه!
هناك أفلام هزيلة كثيرة حقًا فى تلك السنوات، ولكن هناك أفلاما عاشت فى ذاكرة السينما مثل «ممنوع الحب» و«رصاصة فى القلب» لعبدالوهاب، و«سى عمر» لنجيب الريحانى، و«سلاّمة» لأم كلثوم، و«غرام وانتقام» ليوسف وهبى، و«ليلى» بطولة ليلى مراد، وبينما قدمت السينما وجوها خاصة بها؛ مثل: فاتن حمامة، ومديحة يسرى، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، وليلى فوزى، فإن المسرح بممثليه ونصوصه ظل أيضًا رافدًا أساسيًا فى صناعة الأفلام، لدرجة أن نصف عدد الممثلين فى أفلام 1945 جاءوا أساسًا من المسرح.
ملامح عصر كامل يرسمها الجزء الثالث من الموسوعة: فشل فيلم مختلف غنائى هو «مصنع الزوجات» لنيازى مصطفى، حذف معظم أجزاء أوبريت النهاية الطويل فى فيلم «عايدة» لأم كلثوم تخفيفًا على الجمهور، ومع ذلك فقد فشل الفيلم، التجارب الأولى لمطربين مثل الكحلاوى، وعبدالغنى السيد، وجلال حرب، وعبدالمطلب، ونور الهدى، أجور الأبطال والبطلات الضخمة بمعايير وقتها، فأم كلثوم حصلت على 5 آلاف جنيه عن فيلم «دنانير»، وأسمهان حصلت على 1000 جنيه عن فيلم «انتصار الشباب»، والريحانى حصل على 2000 جنيه عن بطولة «سى عمر»!
نكتشف من خلال الموسوعة أن فكرة نوادى السينما أقدم، بكثير، مما كنا نعتقد، ففى العام 1941 كان هناك ناد للسينما فى قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية، وتسجل الموسوعة أيضًا خريطة دور العرض والأستديوهات، ونتعرف أكثر عن دور استديو مصر كمعهد حقيقى للسينما، كما تسجل الموسوعة كذلك الأفلام القصيرة (تسجيلية وروائية)، وبعضها مهم وجيد مثل فيلم «نمرة 6» الروائى القصير، وهو أول فيلم أخرجه صلاح أبو سيف، وكان من بطولة إسماعيل ياسين.
هذه موسوعة ممتازة تستحق أهميتها وصِيتَها، نتمنى استكمالها، لإنقاذ ما تبقى من زمننا الضائع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved