غير له النظام.. تَرا لَمْ لَمْ

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: الأحد 19 أكتوبر 2014 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

الملحن والمطرب زياد رحبانى له أغنية تقول: شايفو عالنظام مش رايح يمشى.. غير له النظام.

«النظام» فى اللغة العربية كلمة مزدوجة المعنى، ولا أعلم ما إن كانت الأغنية تقصد نظام الحكم (Regime)، أم أن النظام بالمفهوم الإدارى، أو التقنى، أو الفنى (System). يحتمل أيضا أن زياد كان يلعب على المعنيين.

ودرءا للشبهة أؤكد أننى أقصد بالنظام المعنى الأخير وليس الأول، الذى ندعو أن يجعل الله كلامنا «خفيفا» عليه، خاصة مع التهديدات المزمنة التى تحيط به، ووجود المتآمرين الأبديين الذين يسعون لإسقاطه.

حياتنا مجموعة متشابكة من الأنظمة. واحد لتسيير المرور، وآخر لتوزيع البنزين، وثالث لتنظيم القيد فى المدارس، أو حتى لدخول الطلبة إلى كلياتهم فى الحرم الجامعى. كلها أنظمة.

العاملان الرئيسيان اللذان يراعيهما مصمم أى نظام يبدوان كما لو كانا على طرفى نقيض. أحدهما عامل الأمن (أمن النظام)، والآخر هو عامل الكفاءة (كفاءة عمل النظام). والتركيز على أحدهما يكون دائما على حساب الآخر.

افترض مثلا أننا نرغب فى عمل نظام لتوزيع خبز مدعم. لو قررنا التحيز لعامل الأمن للتأكد من عدم انتهاك النظام، ومن وصول الخبز لمستحقيه، قد نفرض أن يقدم من يرغب فى صرف الخبز، فى كل مرة، ما يثبت أحقيته واحتياجه. أن نطلب مثلا إثباتات هوية لكل العائلة، ووثائق حديثة تؤكد أن الأبناء مازالوا تحت رعاية العائل، وأنهم لم ينتقلوا للعيش فى مكان آخر، ووثائق تثبت أنهم موجودون فى البلاد ولم يغادروها، وإثباتات تضمن أن الأسرة لا تزال تعيش فى النطاق الجغرافى الصحيح. وربما أيضا نحتاج للتأكد كل مرة من أن الراغب فى الحصول على الخبز لم يأخذه فى نفس اليوم من منفذ آخر. نفعل هذا فى كل مرة خوفا من أن يكون الوضع قد تغير بعد إصدار بطاقة الاستلام فى المرة الأولى.

هذا النظام الافتراضى آمن وسيضمن عدم تسرب الدعم، ولكن تطبيقه يضرب الكفاءة فى مقتل. مع كل عبارة من نوع «بربع جنيه عيش يا عم احمد» تبدأ عملية إدارية ضخمة، فينتهى الأمر بطوابير لا نهائية، ويتحول نظام توزيع الخبز إلى نظام لعدم توزيعه!

لو عكسنا المسألة وأزلنا كل متطلبات إثبات الأحقية، سنتحيز للكفاءة وللتوزيع على حساب تأمين النظام. لكن الدعم لن يصل لمستحقيه، وسينتهى الخبز فى دقائق. سيصبح النظام سريعا ولكنه لن يكون مؤمنا. المطلوب هو نقطة توازن حرجة تحقق أكبر قدر من الأمن والكفاءة فى آن واحد.

الأنظمة التى تتوه فى تفاصيل حمايتها، تنحرف عن هدفها الأصلى وتصبح عقيمة. يستوى فى ذلك نظام توزيع خبز، أو نظام تنظيم دخول الطلبة فى الجامعات. الأنظمة لم تخلق بغرض تأمينها وحمايتها ولكنها خلقت لتسهل حياة الناس.

التحيز الكامل للعامل الأمنى فى بناء أى نظام لا ينتج عنه إلا كيان فاشل يعجز عن رعاية مصالح من يخدمهم، أو تحقيق الهدف الذى أنشئ من أجله. نظام مثل هذا يحتاج لإعادة النظر فيه وربما استبداله. وهو ما أدركه العبقرى رحبانى فى الأغنية التى قدمها فى الثمانينيات:

شايفه عالنظام مش عم يمشى.. غير له النظام.. ترا لم لم

بلكى (يمكن باللهجة اللبنانية) إذا غيرتله بيمشى.. عالنظام.. ترا لم لم

يا إلهى ويا سلام.. لما راح يمشى النظام. ترا لم لم لم

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved