كيف يفكر زعيم كوريا الشمالية؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 19 أكتوبر 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

مهاترات وتغريدات وتهديدات وتجارب صاروخية أوصلت الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى نقطة لا يمكن معها استبعاد أى سيناريو وذلك بغض النظر عن درجة تطرفه.
المهاترات المستمرة بين الرئيسين الأمريكى «دونالد ترامب» والكورى الشمالى «كيم جونج أون» والتى أدت إلى تفاقم التوترات بين البلدين لا يبدو أنها ستتوقف فى أى وقت قريب.
الكثيرون يعرفون الكثير عن الولايات المتحدة ورئيسها ترامب، وعلى العكس من ذلك، يكاد لا يعلم أحد بتفاصيل ما يجرى داخل كوريا الشمالية مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا، ناهيك عن الغوص فى عقلية زعيمها الوحيد.
ومنذ وصول الرئيس ترامب لسدة الحكم فى واشنطن قبل تسعة أشهر، تصاعدت التوترات فى شبه الجزيرة الكورية، ووصلت هذه التوترات لمراحل غير مسبوقة منذ توقفت الحرب بين البلدين عام 1953 وتقسيم كوريا لدولتين. ووصلت حدة التوتر إلى أن تقوم بيونج يانج بسلسلة من تجارب الأسلحة تضمنت إطلاق عدة صواريخ فوق اليابان، وإجراء تجارب نووية وتفجير قنابل هيدروجينية، وهو ما ساهم فى تأجيج حرب كلامية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 انقسمت كوريا (كانت تحت الاحتلال اليابانى) بين منطقتى نفوذ سوفيتيه أمريكية حدودها خط العرض 38. وأعلن الزعيم كيم أيل سونج (هو جد الرئيس الحالى) تأسيس جمهورية كوريا الشمالية عام 1948، وبدأ حربا ضروسا عام 1950 من أجل توحيد الكوريتين تحت حكمه. تدخلت الولايات المتحدة للحفاظ على جمهورية كوريا الجنوبية ولمواجهة النفوذ السوفيتى والصينى هناك.
قتل فى المعارك أكثر من خمسة ملايين نسمة وشهدت تدخلا عسكريا من أكثر من ثلاثين دولة كان أهمها الولايات المتحدة التى قتل منها 50 ألف جندى، والصين التى أرسلت ما يقرب من مليون مقاتل لمواجهة الولايات المتحدة. وتم الاتفاق على تقسيم الكوريتين طبقا لخط العرض 38، ولم يتم التوقيع على أى اتفاقيات لإنهاء النزاع، فقط هناك هدنة من القتال.
***
على مدى العقود التالية لتوقف الحرب عام 1953، اعتمدت كوريا الشمالية على الحليف السوفيتى القوى الذى كان ندا للولايات المتحدة. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتقوقع النفوذ الروسى، شعر نظام بيونج يانج بتهديد وجودى للمرة الأولى. من هنا بدأ فى التوسع فى برامجه الصاروخية والكيمائية العسكرية لامتلاك قوة ردع تبقى على حياة النظام والدولة. توفى الزعيم الملهم كيم أيل سونج عام 1994 وخلفه ابنه كيم جونج إل (والد الرئيس الحالى)، واعتمد على الصين فى توفير احتياجات الدولة والنظام الأساسية فى ظل عزلة وعقوبات واسعة فرضتها الولايات المتحدة على كوريا الشمالية. توفى أيل سونج عام 2011، وخلفه ابنه الرئيس الحالى منذ تلك اللحظة. ويعتقد الرئيس كيم جونج أون، أن بلاده ونظامه الحاكم عهدة عليه الحفاظ عليها كما حافظ الوالد والجد عليهما بأى ثمن.
يعتقد الزعيم كيم جونج أون أن بقاء النظام الحاكم على قيد الحياة يواجه تحديات كبيرة، وبعد زوال الحليف والدعم السوفيتى، يرى هو أن الحليف الصينى يتكامل مع المنظومة الرأسمالية الاقتصادية العالمية، ولم يعد يكترث كثيرا بالتوافق الأيديولوجى. ويرى زعيم كوريا الشمالية أن علاقات الصين مع واشنطن وطوكيو وسول أكثر أهمية من علاقاتها مع بيونج يانج، ويستشهد على ذلك بأن زعيم الصين شين جينبينج لم يلتقيه على الإطلاق فى حين أنه قابل كل رؤساء وزراء اليابان ورؤساء كوريا الجنوبية ورؤساء أمريكا عدة مرات منذ وصوله للحكم. ولا يعنى ذلك أن الصين ستدعم هجوما على كوريا الشمالية، لكنها تتبنى مواقف متشددة وتدعم قرارات مجلس الأمن ضد نظام بيونج يانج. وفقط يعتقد زعيم كوريا الشمالية أن الصين تخشى وحدة الكوريتين مخافة خلق عملاق اقتصادى أكبر يهدد نفوذها وسطوتها فى المنطقة، وتخشى كذلك تبعات مواجهات عسكرية قد ينتج عنها ملايين اللاجئين من كوريا الشمالية لمناطق الحدود المشتركة.
يتذكر الزعيم الكورى الشمالى أن الرئيس جورج بوش (الذى يبدو أكثر عقلانية من ترامب) صنف كوريا الشمالية ضمن دول محور الشر Axis of Evil مع إيران والعراق. ويؤمن أن بقاء نظامه ودولته يجب أن يرتكز على وجود قوة ردع لا تسمح لأحد فى التفكير فى أى أعمال عسكرية ضدها حاليا أو مستقبلا. ويتذكر الزعيم الكورى الشمالى كذلك ما آل إليه نظام العقيد معمر القذافى الذى تخلى عن برامجه التسليحية الصاروخية والكيمائية، ويتذكر أيضا مصير نظام صدام حسن الذى إنصاع للقرارات الدولية الخاصة بمنع الانتشار النووى والكيمائى. والأهم أن زعيم كوريا الشمالية يرى ما يقوم به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه إيران التى وقعت اتفاقا نوويا أجمع عليه وأيده أعضاء مجلس الأمن الدولى. ويرى كذلك أن ترامب يتجه لخرق هذا الاتفاق وها ما يقدم له رسالة شديدة الأهمية بخصوص الثقة فى منظومة الحكم الأمريكية وما قد يخرج منها حاليا ومستقبلا.
***
يدرك زعيم كوريا الشمالية أنه لا يوجد مجال لعقد مقارنة بين القدرات الأمريكية وقدرات بلاده، فعدد سكان الأولى يبلغ 323 مليون شخص مقابل 25 مليونا فى كوريا الشمالية. ويدرك كذلك أن ميزانية بلاده العسكرية البالغة 8 مليارات دولار سنويا لا تقارن بنظيرتها الأمريكية البالغة 600 مليار دولار، ناهيك أن لواشنطن قدرات جوية تتمثل فى ما يقرب من 12 ألف طائرة من شتى الأنواع والقدرات الحديثة المتقدمة، مقابل أقل من ألف طائرة لكوريا الشمالية. تمتلك واشنطن 20 حاملة طائرات و7 آلاف رأس نووية، فى حين تمتك بيونج يانج فقط 20 رأسا نووية على أفضل التقديرات.
من هنا يدرك زعيم كوريا الشمالية ضرورة امتلاك قوة ردع حقيقية خاصة مع ما ذكره ترامب من أن أمريكا تستطيع أن تبيد كوريا لشمالية وشعبها.
يستطيع نظام كوريا الشمالية استيعاب ضربة أمريكية أولى، وسيرد بقتل ملايين الأشخاص فى كوريا الجنوبية (العاصمة سول بها 10 ملايين شخص ولا تبعد إلا 60 كيلو مترا عن الحدود) واليابان، وذلك عن طريق آلاف قطع المدفعية الجاهزة للضرب، وصواريخ تقليدية.
يخشى الزعيم كيم جونج أون أن يتهور الرئيس ترامب ويقبل التضحية بملايين الأبرياء من سكان كوريا الجنوبية واليابان، لذا فلن يتوقف زعيم كوريا الشمالية إلا بعد التأكد من إمكانية وصول أسلحته النووية والهيدروجينية للأراضى الأمريكية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved