لمن القوامة اليوم؟ ما بين الواقع والنص

ندى نشأت
ندى نشأت

آخر تحديث: الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 4:06 م بتوقيت القاهرة

هى تقول: أنا بشتغل وبذاكر للأولاد وبوصلهم للمدرسة وبوصل للتمارين وبطبخ وأنضف وأراعى طلبات واحتياجات البيت، وفى الآخر بيعتبرنى أقل منه، وبيقولى: «أنا قوام عليك»، طب أنا بعمل كل ده، هو بيعمل ايه؟ بيجيب فلوس؟ وبعدين؟ وباقى الواجبات؟ فين القوامة، أنا بساهم زيى زيه وأكتر منه كمان.

 

هو يقول: أنا الرجل، والرجال قوامون على النساء، أنا بصرف وأشتغل عشان أعيشهم فى مستوى كويس، أسيب شغلى وأقعد جنبهم؟ وبعدين دى أفكار غربية، الدين بيقول تسمع كلامى ونشيل مسئولياتها وطالما أنا بصرف يبقى محدش يكلمنى.

 

***

 

لعل أكبر تبرير للتمييز ضد النساء ومنعهن من تحقيق المساواة هو استخدام الخطاب الخاص بمفهوم القوامة والولاية وانعكاس ذلك على القوانين وعلى الممارسات المجتمعية اليومية، وترتبط دوما تفسيرات القوامة بالسلطة والتحكم والإجبار، فمن أين جاء ذلك الخطاب؟

 

فى كتاب «القوامة في التراث الإسلامي: قراءات بديلة» فى فصلها الخاص بمفهوم القوامة تناقش د/ أميمة أبو بكر ــ أحد أهم المفكرات النسويات فى عصرنا الحالى والأستاذة بكلية آداب جامعة القاهرة ــ كيف تم تفسير القوامة فى التاريخ الإسلامى بداية من الطبرى ووصولا للشعراوى باعتبارها سلطة للرجل فوق المرأة، ثم تطور إلى ربط القوامة بمبدأ الدرجة «وللرجال عليهن درجة»، ثم تطور إلى ربط القوامة بمفهوم الحياة المنزلية ودور النساء فى المنزل، وفى كل هذه التفسيرات والتأويلات لم يتم الأخذ فى الاعتبار بمقاصد الشريعة الإسلامية، وهو المفهوم الوحيد فى القرآن الذى لم يتم النظر فيه إلى المقاصد بقدر التعامل مع الواقع الاجتماعى والاقتصادى والسياسى الذى تم فيه التفسير.

 

هنا نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية، فالنساء الشاكيات من الوضع الحالى إنما هن يتكلمن من أرض الواقع ومن خبراتهن اليومية ومن إحساسهن بالمسئولية المتزايدة باعتباره واجبا مقدسا لا مفر منه ولا يجب عليهن الشكوى ولا يجب عليهن أن ينتظرن كلمة شكر واحدة، فى المقابل نجد أن لمجرد أن قام الأب بعمل مهمة واحدة من مهام الأم فيستوجب ذلك بالضرورة الشكر والعرفان والتبجيل وإقامة الأفراح! فى نفس الوقت، تتهم المرأة بالعاطفية وأن وجودهن فى المجال العام (العمل والشارع تحديدا) غير مهم لهذه الدرجة وأن عليهن التزام المنزل فقط وألا يتناقشن فى ما يعتبره المجتمع «أمور الرجال» كالسياسة والاقتصاد، وأن لهذا السبب جعل أمر المرأة فى يد الرجل، ولكن الواقع يقول إن نسبة المرأة المعيلة تتراوح بين 34% ــ 38% وأن الواقع أيضا يقول إن فى معظم الأسر الأب والأم يتشاركان فى نفقات المنزل وخاصة فى الوضع الاقتصادى المزرى الذى نعيشه، والواقع أيضا يقول إن الواجبات المنزلية وواجبات التربية ملقاة بأكملها على عاتق النساء.. فهل تستقيم مفاهيم القوامة والولاية فى ظل هذا الواقع؟

 

بالطبع، الآن اتهامات البعض بالتكفير وإهانة الدين جاهزة، ولكن الحقيقة أن الأزمة ليست فى النص القرآنى وإنما الأزمة هى تصدير التفسير البشرى لهذه الآية على أنها تفسيرات مقدسة لا يجوز لنا – كنساء ــ الاعتراض عليها وأن أى اعتراض على هذه التفسيرات فهو اعتراض على جوهر الدين وهو ما ليس حقيقيا، الأزمة أن المجتمع والدولة والخطاب الدينى السائد يعتبرون أن أى خطاب عن المرأة هو خطاب خاص «بواجباتها» وليس حقوقها وأن أى خطاب مخالف هو خطاب غربى وبعيد عن جوهر الدين.

 

***

 

هو: أنا مش معترض على أن الواقع بيفرض علينا شكل معين من العلاقات، بس مش الحل اننا نغير الدين، الحل اننا نرجع إلى الدين.. المجتمع تغير للأسوأ وفقد أخلاقه.

 

هى: بس أنا مش معترضة على الدين، أنا معترضة على انت شايف الدين ازاى، ربنا ما ظلمنيش انت اللى ظالمنى، أنا مطلوب منى أكون أم وزوجة وابنة وأخت كل يوم، كل يوم من غير ما أقول أى أو أنا تعبت وإلا أكون بتدلع، مين اللى قال ان الرجل وظيفته بس الفلوس؟

 

***

 

المنظومة الأبوية والذكورية التى تحكم العالم كله حاليا ترسخ لمفهومين أساسيين؛ أن الرجل هو مصدر للمال فقط وأن هذه هى وظيفته الوحيدة والأساسية، وعلى هذا النحو فلا يجوز للرجل أن يعبر عن مشاعره أو ينشغل بأمور أخرى خارج نطاق المال والسلطة، والمفهوم الثانى هو أن المرأة تتولى مسئولية كل ما له علاقة بتنظيم الحياة وعليها أن تتقبله وأن تقبل وجودها فى درجة أدنى من الرجال. على سبيل المثال فالمرأة حين تشتكى من ضغط المسئولية عليها فهى تقابل بهجوم من عينة أنها «لسة صغيرة وبكرة تتعود» أو «بتشتكى من إيه كل الستات كده»، أو «احمدى ربنا ان جوزك ده راجل أمير على الأقل لا بيشتمك ولا بيضربك»! فمتى أصبحت الإهانة أمرا معتادا؟ بل وأيضا الثناء على عدم فعله وكأنه الاستثناء؟ لا أعلم!.

 

عادة ما يتم استغلال الدين والسنة لتبرير بعض الممارسات الذكورية والتمييزية ضد النساء، فمثلا، يوجد خطاب حالى حول التعدد إحياء لسنة النبى صلى الله عليه وسلم! وهو بالنسبة لى خطاب غريب وتمييزى، فالرسول تزوج السيدة خديجة لمدة 24 سنة ولم يعدد، وكان يخدم أهل بيته، وكان يعامل النساء بالحسنى حتى بعدما عدد (والتعدد جاء بأمر إلهى) ومع ذلك لماذا لا نرى دعوات لتقسيم المهام المنزلية أسوة بالرسول؟ ولماذا نرى تبريرات العنف والضرب على الرغم من عدم ارتكابه لأى منهما؟ لماذا يتم حصر خطاب إحياء الدين وإحياء السنة فيما له علاقة بحقوق الرجال المكتسبة دون النساء كالتعدد؟ ولماذا يتم تصدير الآراء المحافظة والمتشددة فقط فيما يتعلق بالنساء؟


***

 

سؤال القوامة والولاية من أهم الأسئلة والأطروحات التى يجب أن يفتح النقاش عنها فى مجتمعنا، ليس لأسباب دينية كما قد يعتقد البعض وإنما لأسباب سياسية واجتماعية بحتة، فالدولة تستخدم التفسيرات الكلاسيكية لمفاهيم الولاية والقوامة فى منظومة القوانين دون النظر للتغيرات المجتمعية، فمثلا لا تستطيع الأم فتح حساب بنكى لأبنائها لأن الولاية للأب وليس لها، وليس للأم الحق فى الولاية التعليمية دون أمر قضائى فى حين أن الولاية التعليمية هى حق أصيل للأب، ومازالت قضايا الطاعة ودعاوى النشوز تستخدم أمام المحاكم لإيقاف النفقات الزوجية، حتى تزويج المرأة لنفسها ــ وهو حق للمرأة فى القانون المصرى وفقا للمذهب الحنفى ــ يقابل بصعوبة تقترب من المستحيل لرفض المأذون عدم وجود ولى حتى ولو كانت هى بالغة وأحيانا حتى الثيب يرفضون تزويجها دون ولى وهو أمر يحدث تحت سمع وبصر الدولة ولا يتم مساءلة القائمين على عدم التنفيذ.

 


الدولة ارتضت أن تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع كما نص الدستور، ومع ذلك فإن الدولة تتجاهل ثراء التراث الإسلامى وتصر على حجب المعرفة الدينية وتقليصها فى بضعة أحكام وتفسيرات لا تلائم واقعنا الحالى وإضافة هالة من القدسية على التفسيرات البشرية لدرجة ابتعدت فيها عن أصل التشريع وهو القرآن والسنة وتصر على تصدير هذه المفاهيم المحافظة فى خطابها الرسمى السياسى والدينى وتعمل على إقصاء كل من يحاول فتح باب النقاش حول التفسير، فمتى تتوقف الدولة عن احتكار المعرفة والدين وملاحقة المفكرين فى هذا الصدد؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved