العطار وعمرو صلاح واختراع الأمل

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

أحب المبشرين بالامل، ومن لديهم القدرة على العمل فى أصعب الظروف وأضع بيتا من الشعر كتبه الراحل العظيم فؤاد حداد شعارا لى: (القلب صنعته يتحمس والشمس صنعتها تشمس) وأفكر كثيرا فى جملته الشعرية: (أنا فى اختراع الأمل، صاحب عشر براءات) وأتاملها لإدراكى معاناة كاتبها الذى لم ينصفه سوى التاريخ.
ابتعد قاصدا عن من قصدهم طه حسين حين أهدى أحد مؤلفاته إلى (الذين لا يعملون ويؤذى نفوسهم أن يعمل الناس» ومع ذلك لا أتاجر فى الأمل الكاذب وانظر حولى هذه الأيام المباركة فأرى حصاد الصديقين العزيزين احمد العطار وعمرو صلاح من النجاح، سواء فى الفن أو الإدارة الثقافية كما أرى أيضا المبادرات التى تم اجهاضها لكن أود اليوم التركيز على دور مهم يلعبه هذان الصديقان.
الأول مخرج مسرحى ناجح قدم أعماله فى أعرق مهرجانات العالم وأبرزها مهرجان أفينيون، أما الثانى فهو عازف بيانو من الدرجة الأولى تعزف مؤلفاته الموسيقية فى مهرجانات عالمية كثيرة مخصصة لموسيقى الجاز.
أسس العطار فرقة (المعبد) قبل ربع قرن وأكثر وكانت واحدة من الفرق المسرحية التى بشرت بالمسرح المستقل وناضل العطار مع أسماء كثيرة لكى تبنى هذه الفرق كياناتها المستقلة وتحظى بما تستحق من رعاية واهتمام ودخل فى معارك كثيرة مع الرقابة لكى يضمن لأعماله النجاة من شهوتها فى الحذف، وما يميز العطار عن غيره أنه استقل بالفعل ولم ينتظر دعم الدولة واستطاع تطوير عمله عبر شراكات متعددة وبعض التمويل وتمكن من تأسيس ستديو عماد الدين ونجح من خلاله فى اطلاق مهرجان وسط البلد للثقافة والفنون المعروف باسم (دى كاف).
يواصل (دى كاف) فعاليات دورته الجديدة بنجاح لافت وينتشر الفريق العامل معه فى عدد من المواقع الثقافية المستقلة كل مساء، أما عمرو صلاح، فقد اسس فرقة «افتكاسات» ولعلها واحدة من الفرق التى بلورت ما يسمى الآن (موسيقى الأندر جراوند) التى سعت للاستقلال عن الكيانات الرسمية وفرضت وجودها وطابعها وبعد نجاح عروض الفرقة اطلق صلاح مهرجان القاهرة الدولى لموسيقى الجاز ويستعد خلال الأيام المقبلة لاطلاق دورة جديدة.
وعلى الرغم من معاناة العطار وعمرو صلاح مع البيروقراطية المصرية الراسخة فى اكثر من مؤسسة الا انهما يواصلان العمل بالهمة اللازمة ويتجاوزان عثرات كثيرة وصراعات أكبر.
نجح هذا الثنائى المبهر فى التغلب على صعوبات كثيرة وتوفير مظلة تمويلية ناجحة عبر شبكة من التعاون مع بعض السفارات والمكاتب الثقافية التى تهتم بالتبادل الثقافى وتمكن كل واحد منهما فى تقديم برامج فنية أو مهرجانات تماثل النماذج الغربية التى اطلعا عليها خلال جولاتهما فى عواصم العالم.
والمهم أن ما يعملان على تقديمه ليس فى منافسة مع ما تقدمه وزارة الثقافة بهيئاتها المختلفة وانما هو عمل مكمل يستند لرؤية أكثر معاصرة.
ينشغل العطار بتقديم اكثر النماذج الفنية جذرية عبر التركيز على فنون المسرح والفنون البصرية وثيقة الصلة بالفن المعاصر، بينما يعمل عمرو صلاح على خطين واضحين: الأول توثيق جهود الموسيقيين المصريين الذين قدموا الموسيقى الغربية طوال خمسين عاما سواء بالتكريم المباشر أو بتنظيم معارض فوتوغرافية تحيى هذا الدور وتؤكد وجوده، أما الخط الثانى فهو إبراز الموسيقيين المصريين المحترفين والذين يقدمون موسيقى الجاز والبلوز وغيرها، إلى جانب اطلاعهم على الفرق المماثلة التى تأتى من جميع أنحاء العالم لتقدم عروضها فى مصر والتواصل مع العازفين ذوى الخبرات الكبيرة.
وقد تمكن مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز عبر سنوات من بناء قاعدة عريضة من الجمهور تتزايد كل يوم وبالاضافة إلى هذه الجوانب الاحتفالية يعمل العطار، كما يعمل عمرو صلاح على تطوير شراكات العمل محليا ودوليا وتأهيل الأجيال الجديدة من خلال ورش العمل المتواصلة وستوديوهات التدريب.
والأهم الدفع بوجوه شابة تؤمن بالعمل التطوعى وتتولى الأمور التنظيمية وتعمل بهمة عالية ونشاط متميزين بالاضافة إلى ذلك تبرز وجوها نضرة تتولى مسئوليات مباشرة فى اخراج هذين المهرجانين اللذين يعملان على اظهار حيوية الثقافة المصرية وقدرات فنانينها وبالتالى فهى مهرجانات ينبغى دعمها بمختلف صور الدعم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved