رثاء خاص جدًا

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

زوجان التقيا منذ أكثر منذ خمس وعشرين سنة، الزوج مهندس اسمه بفنوتى، والزوجة صيدلانية اسمها جيهان، أسرة مصرية قبطية، عاشت فترة فى مصر، ثم اختارت الهجرة إلى كندا، وهناك رزقت بطفلين، وبسطت السعادة ثوبها على الأسرة، الطيبة المتدينة، شهدت العديد من المنحنيات الصعبة، لكنها تجاوزتها، إلى أن جاء الاختبار القاسى، مرض الزوج، ثم رحيله عن عالمنا. لن أخوض فى تدين هذه الأسرة، أو ارتباطها بالكنيسة، فهذه المسألة شخصية تخصها وحدها، ولا تشغل القارئ، ولكن ما أريد التوقف أمامه هو الرثاء الذى كتبته بالإنجليزية الزوجة الحزينة فى وداع زوجها على صفحتها على موقع فيس بوك، ونظرا لأنها عبرت خلاله عن أفكارها ومشاعرها بصورة عامة، فإننى لا أجد مانعا فى التوقف أمام ما ذكرت، وتناوله فى مقال، لأنى أرى فيه حديثا عميقا صادقا صافيا، يشكل فى ذاته رغم بساطته اتجاهات أساسية فى العلاقات الأسرية، التى بات المجتمع يفتقدها.
قالت جيهان فى رسالتها علمت منذ الصغر إن الزوج الصالح عطية من الله، فدعوت أن يرزقنى الله إياه، وبالفعل كانت عطية السماء لى زوجى الذى شعرت ببركة الزواج منه، وكونى شريكة حياته لخمس وعشرين سنة. وأردفت قائلة: شعرت أيضا ببركة وشرف الانتساب إلى أسرة زوجى، الأب والأم والأخوة والأخوات، الأسرة الطيبة المؤمنة المتدينة، ثم سجلت رثاء جميلا خاطبت به زوجها، وهى فى الحقيقة تخاطب كل فتاة وشاب.
قالت جيهان: «على مدار خمسة وعشرين عاما، أظهرت لى احتراما، ولم توجه لى أو عنى كلمة سيئة، كنت دائما الصديق، والمشير، والسند، والداعم. راعيتنى، واستمعت لى، وساعدتنى وأرشدتنى. تعلمت منك الكثير، واحتملت أيضا الكثير فى الأزمنة الصعبة. كنت صادقا ووديعا، صبورا خلال اختلافاتنا، ولم تدع سوء تفاهم أو اختلاف بيننا يدوم طويلا، وكنت لطيفا، وسعيت بكل ما فى وسعك أن تجعل حياتى سعيدة. أشكر الله الذى بارك حياتى معك، شكرا لك زوجى الحبيب بفنوتى، أحبك جدا، وسوف افتقد كل لحظة وجودك إلى جوارى....».
الملفت أن فى اليوم الذى قرأت فيه ما كتبته جيهان فى رثاء زوجها، وتفاعل معها صديقاتها وأصدقائها فى الفضاء الإلكترونى، استمعت إلى حديث من طبيبة اختارت المضى فى طريق الطلاق، وروت بعضا مما تعانيه من مشكلات فوجدت أنها صورة على النقيض مما ذكرته جيهان. أدركت أن العلاقات الأسرية تنير أو تنطفئ لأسباب تتعلق بنوعية إدارة الحياة، لا علاقة لها بغنى أو فقر، ولكن بالأساس الذى تبنى عليه الأسرة. هناك علاقات تستمر رغم موت أحد أطرافها، وهناك علاقات تموت رغم حياة طرفيها. الموت أو الحياة حقيقة إنسانية، ولكن العلاقات المفعمة بالحب والود والإنسانية تستمر، فليس للموت سلطان عليها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved