طلائع حب

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

أحيانا تتصرف معى تصرفات من يعرفنى أكثر مما أعرف نفسى. تقرأ فى عينى أسرارا لم يطلع عليها أو يدرى بوجودها أحد. بعض هذه الأسرار لم أتعمد إخفاءها. منها علاقات وأنشطة بدأت قبل سنوات وبدت وقتها عادية ومألوفة. ثم امتدت إليها يد التطوير أو التغيير فتطورت أو تغيرت ومعها أو بسببها تطورت أنا أو تغيرت. فى حالات كثيرة لم ألاحظ التغيير وإنما كنت أنت غالبا أول من نبهنى إليه. تطورت ولم أنتبه. نضجت ولكن لم أزداد حكمة. تغيرت فازددت قبولا مطلقا وحاسما لدى كثيرين ومترددا لدى قليلين. كنت أنت من واجهنى بأن الحكمة عندى لم تتقدم بينما تفوق الجمال مع الجاذبية، تفوق الجمال على ما كان متوقعا منه وتفوقت الجاذبية على ما كان محسوبا لها أن تكون. تكونت لى شخصية جديدة. هذه عبارات أستعيرها منك. خرجت من فمك هى وعبارات أخرى فى يوم لن أنساه، يوم تعرفت فى وجودك على رجل أحلامى.
•••
نعم. كنت معك فى ذلك اليوم. أذنت لى بالجلوس فى المقعد الملاصق. ابتسمت وأنت تأذن. وابتسمت أنا أيضا وأنا أسارع بالجلوس قبل أن تأتى أخرى فتسبقنى إليه. أذكر أنك علقت فى مرة سابقة على سماحك لى بالجلوس إلى جانبك. قلت متسائلا أتعرفين أن موافقتى على طلبك أن تجلسى على المقعد الملاصق لمقعدى تعتمد على حقيقة أنك بجلوسك فيه تحمينى من متطفلات ومتطفلين كثيرين وزميلات وزملاء وباحثات وباحثين من جميع الأعمار كانوا سيطلبون الإذن بالجلوس إلى جانبى على امتداد ساعات انعقاد المؤتمر وربما بعده. يذهبون ومعهم رقم هاتفى المحمول والأرضى أيضا وعنوان بيتى أحيانا. يعتمد أيضا على حقيقة أخرى وهى استمتاعى بقدرتك الفائقة على الابتكار، ابتكار الأفكار والبدائل والتعليقات المناسبة.
أضافت كلماتك إلى مخزون ثقة أعتز به وأثارت فيضا من غرور لا أعتذر عنه. ترددت قليلا قبل أن أرد عليك بلهجة متخابثة ومتسائلة إن كان معنى هذا أنك تفضلنى على كل المحيطات والمحيطين بك من رواد هذه الاجتماعات. أتذكر كيف جاءت إجابتك سريعة وصريحة وصادمة. أذكر أنك قلت «نعم يا طفلتى أفضلك على الكثيرات والكثيرين، ولكن هناك حقيقة أخرى وهى أنى رأيت فى عينيك رغبة للجلوس بجانبى ليحسدك زميلاتك وزملائك على نجاحك فى احتلال هذا المقعد المتميز، النجاح الذى يشير إلى أن لك مكانة خاصة عند جارك المرموق». صدقت وأحسنت. لا أحد لمحنا عن بعد أو رآنا عن قرب إلا وجاء ناحيتنا ليحييك. بعضهم حيانى ضمنا بهز الرأس وبعضهم بابتسامة وبعضهم لم يستطع إخفاء فضوله فتلعثم فى إلقاء كلمات التحية أو مد يدا مرتعشة ناحيتى لأسلم عليه باليد وانطق باسمى ردا على تعريفه لنفسه.
•••
واحد فقط حياك باحترام شديد ولم ينظر ناحيتى. ضايقنى هذا التصرف فاقتربت منك أكثر كما لو كنت أنوى الإدلاء بهمسة فى أذنك. هذا الواحد القادم لتحيتك بدا كمن يتعمد إنكار وجودى. أنا، الفتاة الجميلة الجذابة الجالسة إلى جوارك. لم أتحمل هذا التجاهل من جانبه. شعرت بالدم يصعد متدفقا بسخونة إلى رأسى. بحثت فى عينيك عن موقف لك أو رأى. تعودت على ألا تفوتك معانى حدث كهذا. خيل إلى أنك قررت أن الاثنين، الشاب الغريب وأنا، تكاد تقتلهما الرغبة. يريدان منك أن تبادر فورا فتعرفهما ببعض. وهذا ما فعلت بالفعل ولكن ليس على الفور. تركتنا مع ظنوننا ثوان معدودة فى حساب الواقع ولكن لا نهائية فى حساب الخيال والانبهار والشكوك والتوقعات. خفت لثانية أن تفضحنى نظراتى إليك فأبدو أمام الغريب متسولة تنتظر منك استجابة كريمة. وللحق كنت أحلم ببادرة عطف، ولو قطرة منه. عجيب كان أمرى وتصرفى فى تلك اللحظة. أنا الواثقة من نفسها القادرة والمهيمنة على كل ما حولها أو أكثره، تخشى أن تكون بدت أمام الواحد الغريب وأمامك تتسول اهتماما.
•••
تجربتى الطويلة معك تجعلنى لا أشك فى أنك لاحظت أننى أكاد أفقد اتزانى. اعترف لك الآن أننى خلال تلك الثوانى لم أحاول أن أتبين هويته. لم أهتم إن كان رب عائلة أو أعزب حوله من النساء ما لا يعد أو يحصى. لم أحاول أن أدقق لأتبين. لم أشأ إضاعة الثوانى فى التدقيق والبحث فتضيع فرصة التركيز عليك لتستجيب، وأنت لا تستجيب. ماذا تفيدنى معرفة هويته؟ لا أخفى عليك أن انبهارى بما رأيت فى الثانية الأولى أغنانى عن التفاصيل، وأول التفاصيل كما يقولون هى «وقفة» الرجل. غلبنى شعور الواثقة من أن هذا الشخص الواقف أمامك لا يعيبه شىء. هو التجسيد لكل ما تمنيت فى أحلامى من صفات لحبيب سوف يظهر أمامى ذات يوم. ها هو وقد ظهر.
الثوانى تتلاحق وقد يقرر المغادرة فيضيع منى. عدت أركز عليك فى محاولة جديدة لجذب انتباهك إلى توسلاتى الصامتة. كم وددت لو سمعتنى انبهك إلى أن الأحلام من هذا النوع لا تتكرر إذا أخفقت فى تحقيقها حلما بعد حلم. البطل يظهر مرارا فى أحلامنا آملا فى أن نسمح له باقتحام حياتنا ليصبح حقيقة واقعة فإن فشلنا أو تأخرنا رحل عنا رحيلا لا عودة فيه. ويلك يا أغلى الأصدقاء. من فضلك أفعل شيئا. استدر نصف استدارة وانظر فى وجهى لتقرأ رسالتى. وبعدها عد إليه، أعدك بأنك سوف تقرأ فى عينيه نفس ما قرأت فى عيناى. سوف تقرأ رسائل رغبة تتحول أمامك بدون خجل إلى رغبة عارمة ومن رسائل رغبة عارمة إلى رسائل حاجة وهذه أخشى أن تتحول إلى فعل مجنون إذا استمر تجاهلك لها أو استخفافك بها.
•••
مسئوليتك كبيرة عن إثارة وتكوين هذه الكتل المتحركة من المشاعر، إعجاب فانبهار فرغبة، كلها تجتمع فى النهاية عند الشعور بالحاجة الماسة إلى رجل بعينه ولا أحد غيره أو إلى امرأة بعينها ولا امرأة غيرها. لو أنك بادرت لحظة وصوله إلى مائدتنا ووقوفه أمامنا بتعريفنا الواحد بالآخر لما تطورت المشاعر على هذا النحو وإلى هذا الحد. هل من يضمن الآن ألا ترتعش يدى إذا أنت دعوتنى أو دعت الضرورة لمصافحته، وهل من يضمن أن لا تتخلى عنى جفونى إذا التقت أبصارنا فأفقد فرصة اختراق أستاره والغوص فى أعماق عقل هذا المخلوق وقلبه. هل من يضمن ألا يتصبب فوق جبينى عرق وتنهمر على خداى دموع فتنكشف أمامه وأمامك مشاعر حاولت إخفاءها بكل ما أوتيت من كبرياء وغرور.. لم يصمد أى منهما، لم يصمد الغرور ولا صمدت الكبرياء.
هذه طلائع حب يا صديقى. أرجوك بل أتوسل إليك أن ترفع عنى حمايتك. نعم أنا الآن ضعيفة. ولكن أليس هو نفس الضعف الذى لازم أحلامى. أريده يبقى.. دعه يبقى...

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved