قضايا للحوار
سليمان عبدالمنعم
آخر تحديث:
الأربعاء 19 نوفمبر 2014 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
اليوم لنا حديث عن القضايا التى يُتصوّر أن يناقشها مؤتمر الحوار الوطنى المرتقب وإطاره الإجرائى. وليست المشكلة هنا فى عناوين القضايا ذاتها، فهى مَعروفة للجميع لكن المشكلة تكمن فيما تطرحه هذه القضايا من تساؤلات.
ربما يوجد فى مصر اليوم مائة قضية كل واحدة منها جديرة بالحوار. وقد يكون لدى الأحزاب والقوى السياسية مطالبها المتّسقة مع أفكارها وأيديولوجيتها. لكن المؤكد أنه لا بد من (معيار ما) لتحديد قائمة الموضوعات محل الحوار. والمتابع للكتابات الأخيرة حول قضايا الحوار يلحظ قدرا من الاختلاف والتباين. ودون مصادرة على المطلوب يمكن مبدئيا بلورة خمس قضايا تمثل خمسة محاور للمؤتمر المرتقب. معيار الانتقاء هو ما تمثله هذه القضايا من عنصر إلحاح تفرضه معطيات وتعقيدات اللحظة الراهنة. والإلحاح درجة متقدمة من درجات الأهمية. كما أن معيار الانتقاء يستند إلى مدى مساهمة هذه الأجندة فى صنع التوافق الوطنى كهدف جامع لمؤتمر الحوار. ولعلّ هذه القضايا/ الأولويات تتمثل فيما يلى:
• مواجهة المخاطر والتحديات الإقليمية
إذا كانت القوة العسكرية والأمنية للدولة هى المنوط بها مواجهة الإرهاب ودحره فكيف يمكن لنا ــ للمجتمع ــ محاصرة الإرهاب وكشف زيفه على الصُعُد الدينية والفكرية والاجتماعية والتعليمية؟ ماذا عن دور الأزهر ومؤسساتنا الدينية ومساجدنا ومدارسنا فى تجفيف منابع الإرهاب بخلاف خطابها الوعظى النمطى؟ وماذا أيضا عن دور الدولة فى القضاء على الجذور الاقتصادية والسياسية للإرهاب؟ ما المطلوب من الدولة لاستيعاب أهلنا فى سيناء على الصُعُد التنموية والديموغرافية والثقافية والحقوقية والتعليمية؟ كيف يمكن للمجتمع أن يساعد الدولة فى سحب البساط من تحت أقدام الذين يسعون للوقيعة بين أهل سيناء والوطن الأم؟ ما المطلوب لتقوية مناعة الدولة والمجتمع معا فى مواجهة مخاطر التفتت والانقسام وواقع الحروب الأهلية العربية؟
• دور الأحزاب والقوى السياسية
هل يناقش مؤتمر الحوار قضايا الأحزاب والقوى السياسية أم يبحث فقط مستقبل هذه الأحزاب والقوى؟ هناك من يدعو إلى قصر الحوار على (مستقبل) الأحزاب والقوى السياسية. لكن هل يمكن حقا بحث مستقبل هذه القوى بدون الحديث عن أوضاع وقضايا حاضرها؟ ما المطلوب من الدولة لدعم الحياة الحزبية والسياسية وما المطلوب من الأحزاب والقوى السياسية لتكون أكثر حضورا وتأثيرا فى الشارع المصرى؟ كيف نعالج تشريعيا مسألة عدم التناسب فى تشكيل البرلمان المقبل فى ظل قانون الانتخاب بين نسبة التمثيل الفردى (٨٠٪) ونسبة التمثيل الحزبى (٢٠٪ فقط)؟ كيف يمكن إعادة التوازن المفقود بين المستقلين والأحزاب وما هى النسبة الواقعية والمثلى لتحقيق التناسب بين تمثيل كل منهما؟ هل ستُجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة على نحو ما توجبه الاعتبارات الدستورية أم سيتم إرجاؤها مؤقتا استنادا لاعتبارات الملاءمة السياسية؟ وفى الفرض الأخير هل يبدو ذلك حلا ناجعا أم أنه سيزيد الوضع الراهن تعقيدا؟
• مواءمة التشريعات المصرية لأحكام الدستور الجديد
ثمة فجوة مقلقة بين أحكام الدستور المُعدّل فى عام ٢٠١٤ وبين واقع التشريعات المصرية. تزداد هذه الفجوة اتساعا منذ فترة بصدور قوانين تكاد تمثل ارتدادا على ما كفله الدستور الجديد من حقوق وحريات وضمانات. خطورة هذه الفجوة أنها لا تمثل فقط تراجعا حقوقيا أو ديمقراطيا بل إنها تهدد الوجود القانونى لهذه التشريعات وتجعلها عرضة للإلغاء إذا ما طُعِن فيها أمام المحكمة الدستورية العليا، وهو ما ينذر بمناخ من القلق القانونى ويدخلنا فى متاهات نحن فى غنى عنها. ثمة أسئلة يتعين مواجهتها مثل كيف يمكن معالجة قانون تنظيم حق التظاهر بما يتوافق مع أحكام الدستور؟ وماذا عن التشريعات التى تُخل بمبدأ التناسب بين الجرم والجزاء وهو المبدأ الذى كرّسته مرارا المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها؟ كيف السبيل إلى قانون جديد متوازن للعمل الأهلى يوفّق بين الاعتبارات والمصالح المتعارضة؟ وما هو المطلوب من منظمات المجتمع الأهلى لا سيّما فى شق التمويل والتزام الشفافية وما هو المطلوب من الحكومة لا سيّما فى شق كفالة حقوق وحريات العمل الأهلى؟ هذا بخلاف تساؤلات أخرى تثيرها التشريعات التى صدرت فى الآونة الأخيرة والتى جعلت عرس الفرح بالدستور الجديد تنطفئ أنواره سريعا.
• مشاركة الشباب
منذ صبيحة اليوم التالى لثورة ٢٥ يناير والحديث يدور حول ضرورة مشاركة الشباب وتوظيف طاقته وإدماجه فى الحياة السياسية، لكن ظل الحديث دائما عن الشباب فى إطار التمنيات والتوظيف السياسى المرحلى دون أن يُترجم إلى سياسات وتنفيذ فعلى على أرض الواقع. اليوم تتكرر الدعوة نفسها فماذا يريد شبابنا وماذا يُراد منه ؟ كيف ندعم المشاركة السياسية للشباب فى ظل برلمان مستقبلى لا تتجاوز نسبة تمثيل الأحزاب فيه ٢٠٪ ؟ وهل يمكن رفع التمثيل الحزبى فى البرلمان الجديد بما يوجب على الأحزاب تخصيص عدد من المقاعد فى قوائمها للشباب تحت سن معينة؟ والامر نفسه ينطبق على تمثيل المرأة. كيف يمكن إدماج شبابنا البعيد عن عملية صنع القرار فى مؤسسات الدولة وإصدار تشريعات تنظم إشراك الشباب فى المواقع القيادية للدولة وفى المجالس القومية المتخصصة مثل القومى لحقوق الإنسان ــ القومى للمرأة.. الخ؟
• التوفيق بين ضرورات حماية الأمن ومكافحة الارهاب وبين مقتضيات كفالة حقوق وحريات الإنسان
حماية الأمن (الداخلى والقومى) وما يتطلبه ذلك من مكافحة الإرهاب حقيقة بل ضرورة تعلو على الخلاف أو الجدل. وبدون مجتمع آمن ومستقر سيكون صعبا على الدولة نفسها أن تكفل حقوق وحريات الأفراد. لكن كيف يمكن فى دولة القانون إزالة التناقض الذى يصطنعه البعض بين ضرورات حماية الأمن ومقتضيات حقوق وحريات الإنسان؟ وما هى ركائز دولة القانون التى يمكن التوافق عليها؟ كيف نحمى دولة القانون من عنف الإرهابيين ومن إرهاب النخب الجديدة التى تحاول تفريغ الدولة من مكوّن العدالة فى وظيفتها؟ كيف نقضى على أخطر الممارسات غير القانونية وغير المجدية حتى بالمفهوم الأمنى ذاته مثل التعذيب؟ كيف نزيل أو حتى نخفف من مناخ الاحتقان المتصاعد فى المجتمع بمعالجة ملف المعتقلين والإفراج عن كل من لم يثبت بحقه ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون ووضع حد لممارسات القبض العشوائى، واحتجاز الأشخاص بدون توجيه تهمة محددة أو إحالة إلى المحاكمة، وفصل الطلاب من جامعاتهم بدون أدلة كافية على جرم ارتكبوه وعلى خلفية مبررات متهافتة؟ كيف نترجم مبدأ المواطنة وحظر التمييز المنصوص عليه دستوريا ليس فقط إلى حزمة من التشريعات واللوائح والقرارات بل أيضا إلى مجموعة من الممارسات وآليات التطبيق وسبل الإنصاف؟ وماذا عن الشهداء ــ كل الشهداء ــ من الشعب أو الجيش أو الشرطة.. أليست هناك عدالة انتقالية تضمن تكريم تضحياتهم وإنصافهم فى قبورهم وتعويض ذويهم؟
هذه عينة من أسئلة صريحة ومباشرة جديرة بالانشغال والقلق إذا كنا نسعى حقا إلى حالة توافق وطنى. والطريق إلى التوافق يبدأ من دولة القانون. وحاجتنا إلى دولة القانون ليست فقط حاجة حقوقية أو ديمقراطية، بل هى أيضا حاجة وجودية وسياسية. فكل محاولات التربص بمصر تسعى إلى مغازلة المجتمع بقدر ما تسعى إلى ابتزاز الدولة. وحدها (العدالة) تحصِّن المجتمع من المغازلة وتقوّى الدولة فى مواجهة الابتزاز.