فهم الجهاد التكفيرى ومسئولية الغرب

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 19 نوفمبر 2015 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

دعنا لا نضيع فى متاهات المسٍببات والظروف والنتائج المؤقتة لما جرى فى سيناء وباريس وضاحية بيروت الجنوبية.

دعنا أيضا من دموع التماسيح التى تذرفها عيون الساسة عبر العالم كله، وهم يمشون فى جنازة الأبرياء، ويلطمون متسائلين عن الجهة التى تدفق منها الرُعب الإجرامى الهمجى.

ذاك ما تريده منا دوائر المصالح والكذب السياسى والتلاعب الإعلامى بمشاعر الشعوب:
أن ننشغل بالمؤقت، وبطرح الأسئلة على الضحايا، وبالثرثرة حول هويات المجرمين، لكأنهم لا يعرفونهم ولا يعرفون من جيشهم ولعب بعقولهم ثمٌ دربهم وموُلهم ووضع المتفجرات حول خواصرهم.

***

موضوع القوى السلفية الجهادية التكفيرية، ممثلة بداعش والنصرة والقاعدة وأخواتهم، يحتاج أن يدقق فيه من خلال محطات استراتيجية فكرية وتنظيمية وعلائقية كبرى، وبشرط ان تسمى الأمور بأسمائها الحقيقية.

أولاً: من الضرورى التفريق بين السلفية التقليدية الكلاسيكية والسلفية الجهادية التكفيرية الإرهابية، وذلك من أجل عدم الدخول فى مماحكات عبثية مع ملايين المسلمين السلفيين التقليديين، الذين لا ارتباط بينهم وبين داعش وأخواتها ولا يقبلون بالحماقات العنفية التى ترتكبها.

صحيح أن المرجعية الفكرية للجهتين واحدة، مرجعية الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية ومؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب، وصحيح أن العناصر الإيديولوجية الأساسية من مثل الأولوية للنص على العقل والأخذ بعقيدة الولاء والبراء وطاعة الحاكم لدرء الفتنة والاقتداء التام بأقوال وأفعال الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين ودون أى تحفظ هى واحدة لدى الجهتين، لكن هناك اختلافات أساسية تؤدى بالسلفية الجهادية إلى الشطط والعنف وارتكاب أشنع الحماقات.

فإلى العقيدة السلفية التقليدية، كطريق اعتقادى دينى سلمى ودعوى، أضيف بقوة وتشنٌج موضوع الجهاد كطريق تغييرى عنفى محارب لكل ما يعتقد أنه بدع وضلال وشرك، رافع لراية الحاكمية لله وحده كما جاءت فى كتابات المودودى وسيد قطب، رافض لمقولات الديموقراطية والمجتمع المدنى والمواطنة والتعددية السياسية وسيادة الأمة والاتفاقات الدولية وغيرها كثير.

كما أضيف أمر خطير آخر وهو إجازة فقه الضرورة إذا تطلب الواقع ذلك، وعلى الأخص أثناء العمليات الحربية الجهادية. وفى هذه الحالة يحقُ للقائد الميدانى أن يفعل ذلك، وهو ما يفسر السيل المنهمر من الفتاوى والاجتهادات الغريبة التى نطق بها العديد من القادة الميدانيين فى طول وعرض ساحات الصراعات التى يخوض غمارها معتنقوا الجهاد التكفيرى.

ليس ما ذكر سابقا قضايا نظرية وأكاديمية دينيُة. إنها فى قلب الواقع اليومى والممارسات المرعبة، التى نشاهدها يوميا فى بلدان من مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وسيناء مصر وضاحية بيروت الجنوبية ومناطق كثيرة فى أفريقيا المسلمة، وأخيرا فى باريس.

ولذلك فالمعركة الفكرية والثقافية، التى ينوى الكثيرون، خوضها ضدُ الفكر الإسلامى المتطرُف، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الفروق الهائلة فى الفكر والممارسة بين السلفية الجهادية التكفيرية، المتمثلة فى داعش والنصرة والقاعدة وأمثالها، وبين غيرها من المذاهب والمدارس والتنظيمات والممارسات الإسلامية المسالمة والحاملة لأفكار بعيدة كل البعد عما أوجزناه فى الفقرات السُابقة.

ثانيا: لا يحقُ للغرب، مع بعض الاستثناءات بالطبع، أن يدُعى لنفسه براءة الحمل الوديع فى كل ما يجرى فى أرضنا وفى أرضه. فهو ضالع فى كل ما جرى وما يجرى فى أرض العرب والإسلام، وهو مسئول عن ارتكاب أخطاء وخطايا أدت إلى ما نحن فيه.

لو أن فى الغرب ذرُة من شعور بالذنب وصحوة الضمير لراجع تاريخه معنا وعلاقاته بحاضرنا، ليكتشف كم زرع من كراهية وحقد ومراوغة واستغلال ودمار ولعب بالنار.

ليراجع الغرب تاريخه الاستعمارى المذل الناهب فى أرضنا، تاريخ فرض التجزأة على أرضنا، تاريخ زرع نبتة صهيونية استعمارية عنصرية استيطانية إرهابية جشعة فى أرض فلسطين العربية وتشريد شعبها، تاريخ اجتياحه للعراق تحت رايات الكذب والحملات الإعلامية الحقيرة وتدمير مجتمعه وتقنين الطائفية فيه وتهيئته للتفتيت والزوال، تاريخ هجومه الاستعمارى العسكرى على ليبيا وتركها بعد ذلك نهبا للحروب الأهلية من خلال تدخُلات يقوم بها أو يسمح بالقيام بها من قبل جهات أخرى، تاريخ تسليح وتدريب وتجهيز معارضة عنيفة إرهابية فى سوريا والانتظار لخمس سنوات قبل ان يتكلم الغرب عن الحل السياسى، وبعد أن تأكُد أن سوريا قد اقتربت من الدُخول فى القبر التاريخى، وأخيرا تاريخ تقديم المصالح الاقتصادية وبيع الأسلحة ونهب البترول على أى التزام إنسانى أو أخلاقى أو حقوقى تجاه شعوب المنطقة.

***

لن تكفى فقط مراجعة التاريخ. الغرب يحتاج إلى مراجعة الجزء المتعلق بعلاقته مع غيره، ومنهم العرب، على ضوء نقاط الضعف فى فكرة الاقتصادى والسياسى والثقافى، وفى سلوكياته المتعجرفة غير المبالية بآلام ومصائب الآخرين.

وبالتالى، فكما الغرب يفاخر بحق بإنجازاته الحضارية الهائلة، عليه أن يعى أدواره السلبية فى شقاء هذا العالم، ومنه أرض العرب، وأن يفعل شئيا تجاه أخطائه وخطاياه، وذلك بدلاً من لوم الآخرين ولبس قناع البراءة الكاذبة.

إذا كنا نريد مواجهة الجنون التكفيرى فعلينا أن نذهب إلى لبُ المواضيع، إلى الثوابت وليس فقط المؤقت، إلى مسئولية الجميع وليس مسئولية البعض، إلى عدم التعميم ولوم كل من هب ودب، إلى الابتعاد عن نظرات الاستشراق المنحازة وإحلال العقل والنزاهة والإنسانية فى تحليل الأمور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved