ترامب وفطائر الانشيلادا المكسيكية

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 20 نوفمبر 2016 - 1:04 م بتوقيت القاهرة

هل سنتوقف فجأة عن شرب الشاى الأخضر وأكل البيتزا بمجرد أن يقيم ترامب فى البيت الأبيض؟ للإجابة عن السؤال يجب الربط بين الثقافة والاقتصاد، ما يقودنا أيضا للإجابة عن سؤال مماثل طرح كثيرا بعد فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية: هل وصوله للحكم هو بداية النهاية بالنسبة للعولمة؟ إذ رأى عدد من الخبراء الاقتصاديين والمراقبين السياسيين فى نجاحه دليلا كافيا لإثبات صحة نظريتهم التى تتعلق بنهاية زمن العولمة والتى رددوها منذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، واستندوا فى كلامهم إلى تصويت أكثر من نصف الشعب الأمريكى لصالح شعارات ترامب الداعية لإغلاق الحدود، وإقامة سور ضخم بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتبنى مذهب الحماية الاقتصادية الذى يقضى بفرض تعريفة جمركية فعالة على المواد والسلع المستوردة لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الخارجية. اعتبر هذا الفريق من المحللين أن ساعة الانتقام قد دقت بالفعل وأن التصويت جاء ممن لم تطلهم ثمار العولمة الاقتصادية، وركزوا على أن هذه هى السابقة الثانية من نوعها خلال عام واحد، بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى (البريكزيت) لأسباب مشابهة. النقاش الدائر حول العالم بهذا الصدد لم يحسم بعد، وربما لن يحسم الآن، ما بين حانق على العولمة وتبعاتها خاصة تحرير التجارة الخارجية ورفع القيود على حركة الأشخاص والبضائع ونقل المصانع لدول أرخص، وما بين مؤيد لها يستشهد بنزوع الشباب بين 18 و25 سنة للتصويت ضد ترامب وضد (البريكزيت) بما تمثله من انعزالية.

***
رد فعل طبيعى أن يلزم كل واحد بيته فى وقت العاصفة، يحاول أن يبنى جدارا عازلا للاحتماء به، لكن من الصعب الرجوع للوراء، من الصعب أن نظن أننا قد نغير سلوكا وأنماط استهلاك وثقافات صغرى قد تشكلت على مدى ثلاثين عاما أو أكثر لمجرد وعود انتخابية، غير عابئين بواقع فرضه التطور التكنولوجى ولا يمكن التنازل عنه.

كثير من الكذب والتضليل والحسابات التى نتوه معها، وخاصة عندما يجرى الحديث عن مفاهيم قد تبدو صماء، لكن عندما نحولها إلى أمثلة من لحم ودم وصور ونكات وتفاصيل حياة يومية، نشم رائحة الكذب النفاذة أو يطالعنا وجه الحقيقة ضاحكا، مؤكدا على ارتباط الاقتصاد بالثقافة. يقل عادة الصراع التقليدى بينهما وتطمس معالمه فى بوتقة المدن الكبرى مثل القاهرة أو طوكيو أو باريس أو لندن أو نيويورك. تنتشر فيها رموز ثقافة العولمة وتقل الفروقات بين من يمارس اليوجا ويسمع موسيقى السنغالى يوسو ندور ويشرب كوكاكولا ويجلس ساعات طويلة أمام الإنترنت فى القاهرة أو فى نيويورك حيث مجموعة ترامب الاستثمارية ومقرها: 725 شارع فيفث أفينيو.

***

ناطحة السحاب الزجاجية التى تشق سماء المنطقة التجارية الأغلى بالمدينة تذكرنا بضخامة الكذبة، فالرجل الذى وعد بإعادة الوظائف إلى أهلها ورأى البعض فى صعوده نهاية العولمة والتبادل الحر ما هو إلا علامة تجارية كبرى عابرة للحدود والقارات، فهناك شاى ترامب ورابطة عنق أو بدلة ماركة ترامب وشمعدان ترامب... يضع اسمه على السلعة لتسويقها عالميا، حتى لو لم يستمر بعضها طويلا فى الأسواق مثل شراب فودكا ترامب الذى اختفى بعد نحو ثلاث سنوات، على الرغم من الدعاية التى أحاطت به. لم يعد يبنى فنادق ومنتجعات ضخمة منذ تسعينيات القرن الفائت على الرغم من استمرار تصويره على أنه «ملك العقار»، بل غالبا ما يتم اقتراض اسمه لجذب الناس، مثلما فعلت شركة جنرال إليكترك التى تمتلك أحد الفنادق الفخمة المنسوبة إليه أو شركة أخرى إماراتية سعت لأن تضع اسمه على أحد نوادى الجولف بدبى، بما أنه مشهور بنوادى الجولف والقمار. وعلى هذا ليس من المؤكد أن يبنى السور بينه وبين المكسيك ولا أن يفرض رسوم جمركية هائلة على السلع الصينية فيلحق الضرر بالمستهلكين، كما يشكك البعض ممن لا يصدقون سوى برجماتية السياسة أو من يرون فى العولمة ظاهرة غير قابلة للإلغاء.

لن يكره الناس تلقائيا رسوم المانجا اليابانية وأفلام بوليود الهندية، ولن يقلعوا عن لبس الجينز وإعادة اكتشاف المطبخ الشامى أو الآسيوى وتحويل الفطير إلى بيتزا والعكس صحيح أو تناول فطائر الانشيلادا المكسيكية. لن يتوقفوا عن تدوير ما يناسبهم من الثقافات المختلفة التى انفتحوا عليها ليأخذوا عنها ويغيروا بما يناسبهم أو يقلدوا بعضها تقليدا أعمى فى مرحلة عمرية معينة. أما البطون الجائعة، فلن تتوقف عن الشكوى والنحيب، دون أى رغبة فى الاستماع لمن لا يعدها بشىء أفضل، فالجوع ليست له آذان صاغية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved