ترامب فى مواجهة الدولة العميقة وفى مواجهتنا كلنا

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 10:39 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia review مقالا للكاتب Ryan McMaken يعرض فيه الحرب الدائرة بين الرئيس دونالد ترامب والدولة العميقة من أجهزة الاستخبارات.. وكيف تقوم هذه الأجهزة بالتحكم فى السياسات الأمريكية وخاصة السياسات الخارجية وما يمثل ذلك من تهديد، نظرا لكون هذه الأجهزة غير منتخبة وغير مسئولة أمام أى شخص.
أحد أفضل الآثار الجانبية الإيجابية لرئاسة ترامب هو معاداته لما يسمى «الدولة العميقة» أو «مجتمع الاستخبارات».
هذا، بدوره أدى إلى إدراك العديد من الأمريكيين أن أجهزة الشرطة السرية القوية غير المنتخبة تعمل على تنفيذ أجندة خاصة بها وفى ظل الخلافات السياسية يختارون جانبا. وتظهر استطلاعات الرأى أن رأى الفرد تجاه وكالة المخابرات المركزية (CIA) أو مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) يعتمد بشكل كبير على أيديولوجيته. فالاستطلاعات التى قامت بها قناة فوكس الإخبارية أو NBC تظهر أنه فى الوقت الذى أظهرت فيه العديد من المؤسسات الحكومية عداءها لترامب، تزايد عدد من قالوا بأنهم يثقون فى الـ CIA وFBI من الديمقراطيين ومن قاموا بانتخاب هيلارى كلينتون.
الشهر الماضى، فى مقال بعنوان «حرب ترامب على الدولة العميقة انقلبت ضده»، أوضحت صحيفة نيويورك تايمز أن هناك بالفعل عداء بين ترامب والوكالات مثل الـ CIA والـFBI وتزعم صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب دخل فى حرب مع موظفين فى وكالات الاستخبارات ووزارة الخارجية.

تشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن ترامب أدان «موظفين الدولة العميقة» وتدعى أن عداء ترامب تجاههم كان موجودا وقويا منذ البداية. فألقى اللوم فى تسريب ما يسمى بملف ستيل وما يحمله من مزاعم ضده والتى لم يتم التحقق منها على وكالات الاستخبارات ولم يثق أبدًا فى استنتاجهم بأن روسيا تدخلت فى انتخابات 2016 بطلب منه.

فى النهاية لم يكن هناك دليل، وبعد تحقيق دام إلى ما يقرب من ثلاث سنوات، لم يتمكن روبرت مولر من إثبات التواطؤ بين ترامب والروس. وكما لاحظ غلين غرينوالد ــ وهو صحفى وكاتب أمريكي ــ فإنه لم يتم توجيه إلى أى أمريكي ــ سواء مع حملة ترامب أو غير ذلك ــ السؤال الأساسى عن ما إذا كان هناك أى مؤامرة أو تنسيق مع روسيا بشأن الانتخابات».

ولكن هذا النقص فى الأدلة لم يمنع جون برينان ــ وهو المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ــ على سبيل المثال، من الادعاء طوال أشهر بأنه كان لديه معلومات سرية خاصة بهذه المسألة، وأن ترامب ــ أو على الأقل الكثير من حوله ــ كان سيتواطأ مع الروس.
على الرغم من أن برينان هو مدير «سابق» لوكالة المخابرات المركزية، إلا أنه من الواضح أنه ما زال غارقًا فى عالم الاستخبارات. وأصر برينان على الاحتفاظ بتصريحه الأمنى، إلى الأبد على الأرجح، على الرغم من أنه ليس مسئولا أمام أى شخص.. هذه هى عقلية بيروقراط الدولة العميقة. إنهم يعيشون فى عالم يتمتعون فيه بامتيازات خاصة لمجرد كونهم موظفين حكوميين.
وانضم إلى برينان فى هجماته ضد الرئيس أعضاء سابقين رفيعى المستوى فى الدولة العميقة، بمن فيهم رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى السابق جيمس كومى والمدير السابق لجهاز المخابرات الوطنى جيمس كلابر.
أولئك الذين يعملون حاليا فى الدولة العميقة انضموا إلى حملة مناهضة ترامب. من المحتمل أن يقوم عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بدعم جزء كبير من الحملة الحالية ضد ترامب.. فعلى سبيل المثال يقول السيناتور راند بول أن إيريك سياراميلا، المحلل بوكالة الاستخبارات المركزية، يقوم بتوفير الكثير من المعلومات من أجل عزل ترامب.

التعامل مع موظفى الدولة العميقة كأبطال
لا شيء من هذا يعنى أن إدارة ترامب غير فاسدة. مثل كل الرؤساء، فمن المحتمل أن يكون لدى إدارة ترامب شيء مميز.. وما يمثل استثناء فى إدارة ترامب أنه يفتقد المهارة فى إخفاء الفساد اليومى الذى يحدث فى البيت الأبيض. لكن الأمر الذى يمثل إشكالية له أن الكثير من منتقديه هم من وكالات الاستخبارات أو الجيش.
لسوء حظه، يوجد تحيز راسخ فى الولايات المتحدة لصالح الموظفين من وكالات الأمن القومى. حتى اللغة المستخدمة من قبل وسائل الإعلام تظهر هذا التحيز. فى مقالة التايمز، على سبيل المثال، تحدثت عن أحد منتقدى ترامب «ويليام تايلور جونيور» ووصفته على أنه ضابط عسكرى ودبلوماسى خدم بلاده لمدة 50 عامًا.. إذا كان قد تم استخدام وصف دقيق له كان سيتم توصيفه على أنه تم توظيفه لمدة خمسين عاما أو أن دافعى الضرائب قاموا بسداد قيمة فواتيره لمدة خمسين عاما. ولكن على العكس فقد تم إظهاره على أنه خدم بلده لمدة خمسين عاما.
تظهر أمثلة أخرى فى كل مرة يقوم فيها ترامب بطرد موظف فى المستويات العليا لوكالات الأمن القومى المختلفة. على سبيل المثال، عندما قام ترامب بطرد مدير المخابرات الوطنية دان كوتس، قامت مجلة The Atlatic بإظهار كوتس على أنه شخص مثالى يظهر الحقائق وتم طرده لأنه فقط يقول الحقائق حتى لو تعارضت مع أجندة ترامب.. وما مثل دليلا على صدق كوتس هو «حصوله على المديح من مسئولى استخبارات سابقين». ولكن فى الواقع، كوتس كسياسى دعم حرب العراق سنة 2003 وحاول إخفاء استخدام الحكومة للتعذيب. وبالتالى تصبح فكرة تكريس حياته «للحقيقة» أمر خيالى.

***

يعترف بعض الموظفين فى الدولة العميقة باستعدادهم لتغيير تسلسل السلطات الرسمى لتحقيق مصالحهم الخاصة. فعلى سبيل المثال، أخبر أليكساندر فيندمان، ضابط بالجيش وبيروقراطى فى مجلس الأمن القومى، لجنة المساءلة أنه فكر بتغيير شكل علاقات إدارة ترامب مع الحكومة الأوكرانية حتى تلائم نظرته تجاه السياسة الأمريكية. فى عقلية هذا البيروقراطى، يتم وضع السياسة الخارجية الأمريكية من قبل الموظفين وليس من قبل مسئولين منتخبين.
لا يعنى هذا أن ترامب هو الشخص الجيد هنا. فمثلما هو الحال فى الجيش الأمريكى، الدولة العميقة ليست كيانا موحدا وبها تنافس داخلى. من الواضح أن ترامب لديه حلفاء داخل الدولة العميقة ومن الممكن ملاحظته فى محاولات ترامب زيادة النفقات العسكرية على حساب دافعى الضرائب. ولكن كون ترامب «دخيل» فى واشنطن يشكل سببا لدعمه فى مواجهة البيروقراطية الراسخة.
فكما أشار غرينفالد فى مقابلة عام 2017، ليس من قبيل المصادفة أن الأعضاء السابقين والحاليين فى الدولة العميقة فضلوا كلينتون على ترامب. حيث يفضل بيروقراطيو الدولة العميقة أن يأتى شخص إلى الحكم من داخلهم ــ مثل كلينتون ــ حتى لا يغير الوضع الراهن للأمن القومى بأى حال من الأحوال.
على الرغم من أن ترامب ليس صديقًا حقيقيًا للسلام أو لحقوق الإنسان، إلا أنه يرتكب أخطاءه فى العلن. على هذا النحو، فإن رئاسته تتسم بالشفافية نسبيًا، بخلاف الجرائم الخفية التى ترتكبها الدولة العميقة.
الفرق بين الرئيس والدولة العميقة يمكن إظهاره فى محاولة عزل الرئيس الحالية. من ناحية يمكن أن نرى الرئيس يواجه لوائح الاتهام والهجمات العلنية واحتمال العزل. ولكن من ناحية أخرى، فإن بيروقراطيي الدولة العميقة الذين يقومون بالعديد من الأفعال الفاسدة والتجسس غير القانونى لا يزالون آمنين ومخفيين عن الرأى العام. غالبًا ما يستمر أولئك الذين يكذبون ويخدعون ويسيئون استغلال السلطة بشكل مستمر لعقود. مع مرور السنين، أصبحوا مترسخين فى البيروقراطية الفيدرالية، غير المرئية للجمهور، وكما نرى الآن فهى غير مسئولة أمام أى شخص. من السهل رؤية الجانب الأخطر فى المعركة بين الدولة العميقة والرئيس.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى


النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved