نوبة صحيان.. يا أهل مصر

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 19 نوفمبر 2021 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

عدت من زيارة لمدنية مونتريال الكندية تلك المدينة الجميلة التى تزهو بطابعها الفرنسى الخاص بين مدن أمريكا الشمالية والتى عشت فيها سنوات بالفعل كان لها أكبر الأثر فى نفسى. عملت وتعلمت واستمتعت خلال سنوات عديدة وجدت صداقات غالية استمرت رغم بُعد المسافات عند عودتى إلى وطنى الأم. ككل مدن العالم طالت مونتريال تداعيات عدوى كوفيد ــ ١٩ فهدأت فيها الحركة وتباطأت الخدمات الأمر الذى استرعى انتباهى منذ الأيام الأولى لوصولى إلى جانب ما سمعت من تجارب الأصدقاء خاصة فى مجال الصحة وعمل المستشفيات. سادت «الافتراضية» كوسيلة حتمتها الظروف لمقاومة نذر الخطر وموجات العدوى فانتشرت العيادات الافتراضية التى يعالج فيها المرضى على التليفون وأصبح من المألوف أن يطلب المريض موعدا لتوافيه سكرتارية المستشفى بموعد مع الطبيب على التليفون بعد ثلاثة أشهر.. ليس فى حديثى أى صيغة مبالغة إنما هذا ما لمسته بنفسى ورأيته بعينى.
كان هذا الحال بالطبع باعثا للأسى فى النفس لكن كان هناك أيضا ما يبعث على التقدير والإعجاب: الدور الذى يلعبه المجتمع المدنى والذى يقوم به بالفعل فى اقتدار.
فى مونتريال تعلمت كيف يمكن للإنسان العادى أن يكون فعالا فى إدارة الخدمات التى تديرها الحكومة لصالحه فى مختلف المجالات.
فى مجال الصحة يقوم المجتمع المدنى بدور بالغ الأهمية يكاد يكون موازيا للدور الذى تلعبه الدولة فلكل مستشفى جهاز يعتمد على المتطوعين له إدارته الخاصة واستراتيجيته وسياساته التى تخدم فى المقام الأول مريض المستشفى بالتعاون مع إدارة المستشفى. ولهذا الجهاز أن يتقدم بالمشروعات التى يراها قد تخدم المريض بصورة أفضل أو أكثر إنسانية وأن يتقدم باقتراحات من شأنها أن تطور من عمل المستشفى أو تضيف تخصصات تحتاجها. فى المقابل فإن هذا الجهاز يوفر للمستشفى كل ما قد تحتاجه من أفراد عاملين متطوعين للعمل غير المتخصص مثل الإشراف على انتقال المرضى من قسم لآخر لإجراء الفحوصات المختلفة أو إعداد وجبات الطعام سواء العامة أو الخاصة التى تقدم لمرضى السكر أو الفشل الكلوى على سبيل المثال.
يقوم أيضا هذا الجهاز التطوعى على توفير كل الموارد المادية التى يحتاجها المستشفى لمشروعاته بغرض التطوير أو إضافة خدمات جديدة أو دعم البحث العلمى الأمر الذى يلقى الكثير من مظاهر الدعم والتأييد. لهذا الجهاز الحق فى مخاطبة الأفراد والشركات والبنوك والهيئات بعرض المشروعات التى يمكن تبنيها وتخصيص الميزانيات لدعمها فى المستشفيات. فى وقت المد من أيام الكرب ظهر الأثر الواضح للمجتمع المدنى والذى كان له دور بالفعل عظيم فالإنسان من خلاله يحمى نفسه ويحمى مجتمعه من خطر يهدد الجميع.
كان من الطبيعى أن ترى العديد من مقدمى الخدمة فى المستشفيات من المتطوعين الذين يمكنك أن تميزهم من الشارات التى يعلقونها على زى خاص لهم. منهم من يعمل فى إرشاد زوار المستشفى ومنهم من يعمل على معاونة غير القادرين ومنهم من يعمل فى الصيدلية أو المعمل. كلهم متطوعون بساعات محددة من وقتهم لا يختلف فيهم التلميذ عن المهندس أو المدرسة. جيش من الناس تجمعهم فلسفة التطوع للخدمة العامة ويدفعهم للعمل رغبة أكيدة فى التعاون لدرء الخطر وحماية النفس والآخرين.
تكلفت الشركات بإمداد المستشفيات بجميع ألوان الوقاية التى يتطلبها عمل الأطباء ومقدمو الخدمة الطبية على اختلاف وظائفهم، من مطهرات وأقنعة الوجه وملابس خاصة للحماية وأثناء إجراء العمليات وكان من الطبيعى أن تجد اسم الشركة على ما يقدم إليك مجانا عند دخول المستشفى أو فى عربات خاصة تتحرك فى شوارع المدينة لتتوقف على مسافات متقاربة لينتبه المارة إلى ما تقدمه مجانا من وسائل الحماية للجميع.
تكفل المجتمع المدنى فى مونتريال بالاهتمام بأحوال المرضى بصورة أظنها ستظل إلى أمد طويل فى الأذهان. فلكل مريض ملف طبى ترفق به صفحة تدون فيها ملاحظات جهاز المتطوعين لمتابعة أحواله بعد الخروج من المستشفى خاصة أولئك المرضى الذين يحتاجون دعما ماديا أو لديهم أطفال فى المدارس يحتاجون من يتفقد أحوالهم.
طالت بلاشك تداعيات الجائحة الكثير من الخدمات الصحية. لكنها وإن تعاظم أذاها لم تنل من عزيمة الإنسان وقدراته على التطوع ومد يد المساعدة للآخرين من حوله.. ظل الإنسان على طبيعته السوية فى الإقبال على فعل الخير.. والرغبة الأكيدة فى تأكيد القيم الإنسانية.
هكذا الحال فى بلاد الجليد فهل نرى له انعكاسا فى بلاد الدفء والشمس الساطعة. ما زلت أحلم بجهاز قوى من المتطوعين يدير الأزمات فى بلادى يعمل جنبا إلى جنب مع الجهاز الإدارى للدولة فالكل فى مركب واحد يتحدى الموجة الثالثة التى أراها تتعاظم بينما نحن مشغولون عنها بما يلهينا عن الاستعداد لها.
نوبة صحيان يا أهل مصر..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved