معايير لتقييم الدستور

أكرم السيسى
أكرم السيسى

آخر تحديث: الخميس 19 ديسمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

يعتقد كثير من الناس أن كتابة دستور هو عمل من خصوصيات رجال القانون، وهذا غير صحيح، فالأدباء ــ فى حقيقة الأمر ــ كانوا وما زالوا هم قاطرة البشرية فى الدراسات العلمية والإنسانية، فنرى القصص ذات الخيال العلمى هى التى وجهت العلماء إلى اكتشافات أصبحت فى حاضرنا واقعا، ونذكر على سبيل المثال قصة «من الأرض إلى القمر» De la Terre à la Lune (1865) للكاتب الفرنسى جول فيرن Jules Verne أى قبل قرن من نزول نيل آرمسترونج وبز ألدرن فى 1969، وبالمثل فى الدراسات الإنسانية والقانونية كان لهم السبق والقيادة.

يعتبر الكاتبان الفرنسيان مونتسكيو وجان جاك روسو هما منظرا الدساتير فى العالم المعاصر، فأسس الأول لنظرية نظام الحكم فى كتابه «روح القوانين» (1748)، وفيه يبلور مونتسكيو نظريته عن الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتتمثل السلطة التشريعية فى البرلمان المنتخب من قبل الشعب الذى يسنّ القوانين أو يصوت عليها، وأما السلطة التنفيذية فتتمثل فى رئيس الجمهورية والحكومة، وهى المسئولة عن تنفيذ القوانين التى يصوت عليها البرلمان، وعن السلطة القضائية فتتمثل بوزارة العدل والقضاة الذين يراقبون عمل الحكومة فيعاقبون أى انتهاك للقانون، وفى كتابه دعا أيضا إلى الحرية والعدل والتسامح، كما أنه طالب بالمحافظة على الخصوصية الجغرافية والتاريخية والثقافية لكل بلد.

أما روسو فحمل على الرق وعدم المساواة فى كتابه «العقد الاجتماعى أو مبادئ الحقوق الإنسانية» (1762)، وطالب بتنظيم الثروة والتربية والديانة، كما ذكر أن هدف أى نظام اجتماعى وسياسى هو حفظ حقوق كل فرد وأن الشعب وحده هو صاحب السيادة، ونادى بالنظام الجمهورى، وتحقق هذا الحلم مع قيام الثورة الفرنسية (1789).

وهكذا يتضح لنا من الكتابين أنهما يؤسسان لأى دستور أو عقد اجتماعى بين الحاكم والمحكوم فى دولة أرادت لنفسها منهج الديمقراطية الذى يُؤسس للحرية وللعدل وللتسامح وهى تتطابق مع المبادئ التى نادت بها ثورتا 25 يناير و30 يونيو (عيش، حرية، عدالة وكرامة إنسانية)، ومنها يستطيع أى مواطن أيا كانت ثقافته أو نوعية تعليمه تقييم أى دستور من حيث صلاحيته لقيام نظام ديمقراطى حقيقى.

•••

فهل مشروع دستور 2013 يتوافق مع المعايير السابقة؟

إذا أردنا تقييم دستور 2013 المطروح للاستفتاء، يجب علينا إخضاعه للمعايير السابق ذكرها، فنرى أن هذا الدستور:

أولا: احترم هذه القواعد عندما أقر مدنية الدولة (المادة 1) ففصل بين المقدس والمدنس، وبين الثابت والمتغير، وبتعبير آخر بين الدين والدنيا أو السياسة، واحترم حرية الاعتقاد لكل الديانات السماوية، وسمح للمسيحيين واليهود الرجوع إلى أحكامهما فى الأحوال الشخصية، وأقر بحرية العبادة لهما (المواد من 1 إلى 3 وفى باب الحقوق والحريات ــ المواد من 53 إلى 63).

ثانيا: احترم فى مادته الأولى الخصوصية الثقافية والحضارية للدولة المصرية الحديثة، فأكد أن مصر جزء من الأمة العربية ومن العالم الإسلامى، تنتمى إلى القارة الأفريقية وتعتز بامتدادها الآسيوى.

ثالثا : نص صراحة فى المادة الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، كما اختص الأزهر الشريف بالمادة السابعة فاعتبره هيئة علمية مستقلة يختار أعضاء هيئة كبار العلماء شيخه وهو غير قابل للعزل.

رابعا : نص على أن السيادة للشعب وأكد على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دون تمييز ومساواة المرأة بالرجل (المواد 4 – 9 – 11- 14)، كما أكد فى مادة منفصلة على صون كرامة المواطن (مادة 51)، وعلى حرمة الملكية الخاصة (المادة 34).

خامسا : ضمن كل سبل التكافل الاجتماعى، فنص على حق كل مواطن فى الرعاية الصحية المتكاملة (المادة 18)، وفى التعليم المتميز وفقا للمعايير الدولية (المادة 19).

سادسا :على الجانب التنظيمى للدولة، فصل فى الباب الخامس (نظام الحكم) كلية بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وربط بينهما بحيث لا يمتلك أحد سلطة مطلقة، فأعطى رئيس الجمهورية حق اختيار رئيس الحكومة بشرط موافقة البرلمان، وتقاسم رئيس الوزراء السلطة التنفيذية مع رئيس الجمهورية الذى من حقه بالتشاور مع رئيس الوزراء اختيار وزراء الخارجية والداخلية والعدل ووزير الدفاع الذى يرشحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويبقى فى منصبه ــ فى مرحلة انتقالية ــ لمدة ثمانى سنوات (المادة 145).

سابعا: وعن السلطة القضائية خصص لها الدستور الفصل الثالث (من المادة 183 إلى 196)، وأهم ما فيها اختيار النائب العام يقوم به المجلس الأعلى للقضاء ويعتمد تعيينه فقط رئيس الجمهورية وتكون مدة اعتلائه المنصب أربع سنوات يمكن أن تجدد لمرة واحدة (المادة 188).

ثامنا: وعن تعيينات رؤساء الأجهزة الرقابية ــ البنك المركزى والرقابة الإدارية والرقابة على الأموال العامة والجهاز المركزى للمحاسبات ــ يعيِنهم رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس النواب ولا يمكن عزلهم ويعينون لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لفترة واحدة.

تاسعا: أسس الدستور لهيئة وطنية للانتخابات لضمان نزاهتها (المواد من 207 إلى 209)، كما أسس لمجلس أعلى لتنظيم الإعلام لضمان حرية الكلمة والفكر والإبداع (المواد من 64 إلى 73 و210 و211).

•••

هذه هى الملامح الأساسية لمشروع الدستور الجديد ــ دون الدخول فى مسائل قانونية بحتة، ونرى ــ فى مجملها ــ أنها تتوافق إن لم تنطبق كلية مع المبادئ العامة للمقاييس العالمية لأى نظام ديمقراطى طبقا لما نظر إليه مونتسكيو وجان جاك روسو، كما لا يفوتنا أن نذكر أن هذا المشروع الدستورى قد ألغى كل ما هو فئوى مثل نسبة الخمسين فى المائة للعمال والفلاحين دون الإخلال بحقوقهم (المادة 13) فحدد 45 مادة أخرى تضمن حقوقهم، كما ألغى مجلس الشورى لتكثيف العمل البرلمانى.

هذا لا يعنى أن الدستور الجديد لا تشوبه نواقص أو عيوب، فنذكر على سبيل المثال أن ميزانية السلطة القضائية تعرض على مجلس النواب كرقم واحد (المادة 184)، فهذا يخل بمبدأ الشفافية الذى يجب أن يحرص عليه رجال القضاء قبل غيرهم حتى يصبحوا قدوة للآخرين، وأن يفرقوا بينهم وبين القوات المسلحة التى تحرص على سرية ميزانيتها لأسباب تتعلق بالأمن القومى، أما فيما يتعلق بتعيين وزير الدفاع وعزله واستمراره لمدة ثمانى سنوات فى منصبه فهى ــ كما نص عليها الدستور ــ مرحلة انتقالية تحتمها الظروف الحالية تضمن تأمين هذه المؤسسة من العبث فيها خاصة وأن لها الدور العظيم فى حماية ثورتى يناير2011 ويونيو 2013.

ونخلص مما سبق أن الكمال لله وحده، وأن ما يهم المواطن العادى الذى نكتب له هذا المقال هو «هل الدستور يتوافق مع المعايير الحقيقية لتأسيس دولة ديمقراطية؟»، فإننا نحسب ذلك وعلى الله قصد السبيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved