العبيد المنسيون

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 19 ديسمبر 2016 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة The Chronicle Of Higher Education الأمريكية مقالا للكاتبة «مارجريت نيويل» المتخصصة بالتاريخ، حول تجارة الرقيق والقضايا المتربطة بها بأوروبا والأمريكتين وبخاصة فيما يتعلق باستعباد الأمريكان للأفارقة والهنود وارتباط ما نشهده من نظام عنصرى ناشئ بالولايات المتحدة بجذور هذه العبودية واعتبارها تطورا طبيعيا لما حدث من ممارسات قديما.

تبدأ «نيويل» بالتطرق إلى تجار الرقيق الأوروبيين والذين كانوا لا تأخذهم شفقة ولا رحمة حين يقومون بإفراغ القرى وإجبار الضحايا بالترهيب واستخدام القوة من أجل ركوب السفن المتجهة إلى المحيط الأطلسى. ويسير العديد من هؤلاء العبيد بأعداد كبيرة مساقين إلى أسواق العبيد تحت أعين الحراس المسلحين. ويستخدم أصحاب العبيد جميع أنواع التعذيب كالاغتصاب وغيرها من الممارسات العنيفة من أجل إجبار هؤلاء الأسرى على المزيد من العمل.

هذه الممارسات القاسية تعيد إلى الأذهان التاريخ المخجل المتعلق باستعباد الأفارقة من قبل الأمريكان بالولايات المتحدة، كما تصف لنا أحداثا تاريخية حدثت فى جزر البهاما ووسط المكسيك والحدود الغربية للقارة الأمريكية التى كان يتم فيها استعباد الهنود.

من جهة أخرى يقترب الصراع العرقى فى وقتنا هذا من الظلم العنصرى وعدم المساواة قديما. وقد أوضحت كتب صدرت لكتاب أمثال، إدوارد المعمدان، سفين بيكيرت ووالتر جونسون، الحسابات الاقتصادية وراء من يزرعون هذه الممارسات المأساوية فيما يتعلق بالعبيد والعلاقة بين العبودية والرأسمالية والتوسع الأمريكى، ولكن هذه الكتب وبعض الأفلام قد عززت الصورة النمطية عن البيض والسود، كالظلم الذى يتم ارتكابه من البيض ضد الأفارقة والمنحدرين منهم وخصوصا فيما قبل الحرب الجنوبية.

لكن ما يدعو لبعض الاطمئنان أن هذه الصورة باتت على وشك التغيير، وذلك بفضل عدد كبير ممن يعملون على العبودية الأمريكية الأصلية وهذا حقل جديد نسبيا اكتسب زخما من الاهتمام بالدراسات الهندية الأمريكية منذ الثمانينيات. وقد أظهرت لنا البحوث التى أجريت أخيرا أن أكثر الأشخاص استعبادا فى الأمريكتين قبل عام 1700 كانوا من الهنود. وقد شكل الهنود فيما بعد نسبة كبيرة من نسبة السكان العبيد عالميا. وقد استعبد الأوروبيون الهنود من كيبيك إلى نيو أورلينز، ومن نيو إنجلاند إلى كارولينا. وقد تناول عدد من العلماء وخاصة آلان جالى وبريت روشفورث، استعباد الهنود من قبل المستعمرين الفرنسيين والإنجليز.

***
حتى الآن يوجد فجوات ضخمة فى فهمنا لهذه القضية، وقد أكد على ذلك «أندريس ريسينديز»، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، والذى اهتم بعمل بجولات حول استعباد الهنود فى العالم الجديد من خلال كتابه «العبودية الأخرى: الكشف عن القصة غير المروية لاستبعاد الهنود بأمريكا»، ويؤكد على أن جانبا كبيرا من التحدى المتعلق بالرق يكمن بصعوبة تحديد هؤلاء الضحايا عن العبودية فى سجلات وبخاصة العبودية الهندية وذلك لاتخاذها أشكالا عديدة ومتنوعة. وقد وضع «ريسينديز» تعريفا للعبودية شمل من وصفوا بالمتمردين وتم الحكم عليهم بالسجن لاستعبادهم، والأيتام والمشردين الذين يتم استغلالهم، فضلا عن العمالة القسرية التى كانت مفروضة على القرى الهندية وهى ظاهريا عمالة ولكن حقيقة الأمر أن أرباب العمل يستغلونهم دون دفع أى مقابل إزاء أداء هذه الأعمال التى يجبرون على القيام بها.

باستخدام ذلك التعريف يتراوح عدد العبيد الهنود بالأمريكتين بين 2.5 مليون و5 ملايين، وذلك أقل من نسبة الأفارقة الذين تم استعبادهم فى الفترة من القرن الـ15 حتى القرن الـ19، ولكن رغم ذلك فهو عدد كبير لا يمكن الاستهانة به. وفى السياق ذاته يقول «ريسينديز» إن فقدان السكان بسبب الرق والعبودية كان فى الواقع أكبر بكثير فى الأمريكتين من أفريقيا. فالعبودية ليست فقط مرضا وبائيا قد تفشى بشكل كبير، بل كان السبب الرئيسى فى ارتفاع معدلات الوفيات من 70% إلى 90% فى بعض المجتمعات الهندية التى خضعت للعبودية.

***
فيما يتعلق بأهمية العبودية بالنسبة للاستعمار نجد أن الرق قد وصل إلى الإمبراطوريات وتم توجيه الاتهامات إليها بانتهاجها ذلك المسلك بدءا من كريستوفر كولومبوس الذى وصف العبودية بأنها وسيلة يتم استخدامها لتوفير التمويل للإمبراطورية، فضلا عن وجود موجات متتالية من الغزاة والمستعمرين استفادوا من الاتجار بالبشر. وقد قام كثيرون بما فى ذلك كولومبوس بتصدير الهنود إلى العالم القديم ولكن ظلت الغالبية العظمى من المستعبدين فى الأمريكتين.

يؤكد «ريسينديز» فى كتابه ــ والذى يعد واحدا من المساهمات الكبيرة التى سعت لسرد قصة العبودية الهندية بشمال أمريكا الإسبانية خلال القرنين الـ19 والـ20 ــ استمرارية الرق وعدم انتهائه. يبين الأستاذ بجامعة كاليفورنيا استمرار العبودية غير الطوعية بولاية كاليفورنيا وجنوب غرب الولايات المتحدة حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية، حيث لم ينته خضوع الآخر للعبودية حتى لفترات متقدمة من القرن الـ20 والتى كانت قد تنوعت أشكالها وجعلت من الصعب التوقف عنها حتى عن طريق القانون والنظام الأساسى، وذلك لأن الكثير وبخاصة ملاك الأراضى كانوا مستفيدين من استمرارها وخضوع الآخرين إليهم.

من جهة أخرى يتطرق الكاتب إلى أن تجارة الرقيق الأفريقية قد استفادة من الصناعات البريطانية، فى حين أن العبيد من الهنود كانوا مصدرا لتمويل الاستعمار ذاته وخلال عهد المستعبدين الهنود قد ازدهرت صناعات كبيرة سواء للأسر الصغيرة أو للمزارع. وهذا جعل «ريسينديز» يفكر كيف أن هذه التجارة ــتجارة الرقيقــ تفتح آفاقا للتأمل والتفكير حول الفوائد الكبيرة لهؤلاء العبيد ليس فقط لكبار المزارعين وملاك الأراضى بل لعديد الأمريكيين حتى وصل بهم الأمر إلى ثورة السوق. ويقول «ريسينديز» إن قصة استعباد الهنود تشبه كثيرا ما يحدث الآن، فالاتجار بالبشر اليوم واستغلال العمال المهاجرين ما هو إلا تركة وإرث مباشر لمثل هذه الممارسات.

وبالعودة مرة أخرى لأمريكا الإسبانية نجد أن نسبة الإناث من العبيد كانت أكبر من ذويهم من الرجال وحتى فى الأجور التى كن يتلقينها ولكن هل ذلك يعد مؤشرا على أهمية العمالة النسائية؟ ويقودنا ذلك إلى إمكانية تقديم هؤلاء النساء خدمات جنسية أو خضوعهن للاستغلال الجنسى؟ لا توجد تأكيدات على أن ذلك كان محورا لتجارة الرقيق!

***
تختتم الكاتبة بأنه من المهم معرفة تأثير العبودية الأمريكية للهنود قديما على النظام العنصرى الناشئ بالولايات المتحدة وكذلك تأثير ذلك على فهم الأمريكان وتشكيل أفكارهم فيما يتعلق بالعرق والطبقة والعكس أيضا بالنسبة للهنود.

إعداد - نهاد محمود

النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved