الوباء وتاريخه..

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الإثنين 20 ديسمبر 2021 - 11:48 ص بتوقيت القاهرة

فى هذه الظروف الصعبة التى ينتشر فيها وباء كوفيد 19 يجب أن يعلم الشعب المصرى أنه تعرّض لأوبئة كثيرة سابقة حصدت أعدادا مضاعفة من الأرواح فى ذلك الوقت وفتكت بالمصريين والمصريات.. لذلك يجب أن ننظر إلى ما نحن عليه الآن بعناية وحرص، وعندما نقارن بين تاريخ الرعاية الصحية زمن الأوبئة قديما والرعاية الصحية الآن، سنجد أن هناك فرقا كبيرا ساهم فى تقليل أعداد ضحايا وباء كورونا، خاصة مع وجود متحور جديد يسمى «أوميكرون» أعاد إثارة الفزع بعد الإعلان عن ظهوره.
•••
هناك كاتبان عن الأوبئة والأمراض مهمان جدا أحدهما باسم عبدالكريم الحجراوى والآخر باسم نسمة سيف الإسلام سعد، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. فى هذين الكتابين يرصد الباحثان تاريخ الأوبئة الفتاكة فى مصر، مثل الطاعون والكوليرا والملاريا والجدرى والتيفوس والبلهارسيا والانكلستوما وأمراض العيون والتدرن الرئوى. ذكرت نسمة سيف الإسلام فى كتابها عدة أوبئة فتكت بالشعب المصرى؛ مثل وباء الملاريا الذى انتشر بسبب انتشار البحريات والمستنقعات حول القرى والمدن وتسبب فى موت حوالى 50 ألف طفل، وهو الرقم الذى يعادل 20% من عدد الأطفال آنذاك. والطاعون الذى حصد أرواح 300 ألف شخص بعد ظهوره عام 1625، وقضى على 25% من سكان القاهرة والإسكندرية، وتعافت مصر منه فى 15 عاما. أما الكوليرا بلغ عدد ضحاياها حوالى 100 ألف نسمة، بعد أن ضربت مصر تسع مرات فى القرن التاسع عشر. هذا إلى جانب أمراض أخرى مثل البلهارسيا والأنكلستوما اللتان كانتا نسبة الإصابة بهما فى مصر فى عام 1924 70% و70ــ80% على التوالى. ورغم كل هذا صمد الشعب المصرى أمام هذه الأوبئة.
كانت وزارة الصحة آنذاك تابعة لوزارة الداخلية، واتبعت الحكومة فى التعامل مع الأوبئة إجراءات شديدة القسوة؛ فعلى سبيل المثال، أطلق الرصاص الحى على من لم يبلغ عن موت أفراد من عائلته بالطاعون، وعانت المستشفيات من أوضاع سيئة، وكان يتم تشريح الجثث أمام أهالى المتوفى، مع حرق ملابسه، أو تعرض أهالى المتوفى فى بعض الأحيان للطرد من منازلهم، مما جعل الكثيرين يتكتمون على ضحاياهم من الطاعون.
يذكر الكتاب أيضا كيف انتشرت الخرافات فى سنة 1947 مع اجتياح وباء الكوليرا، ويصف ما كان يقوم به الأهالى من استخدام مقصات خشبية كبيرة لقص الهواء، معتقدين أن هذا يبعد الأرواح الشريرة التى تسببت فى انتشار المرض، إلى جانب لجوء بعض من الأهالى إلى الحلاقين والدايات الذين وصفوا بدورهم وبسبب جهلهم علاجات «قذرة» لمن أصيب بالمرض.
•••
عندما نتحدث عن الأرقام والإحصائيات نجد أنه لم يعد ممكنا فى زمن العولمة التكتم على تطورات الجائحة أو انتشار متحور جديد مثل أوميكرون، لذلك وجب نشر البيانات الصحيحة والدقيقة لمعرفة الحقيقة.. ومازالت بقايا الأفكار القديمة تؤثر على الشعب المصرى، ومثال ذلك ما حدث فى قريتين مصريتين بالدلتا رفضتا دفن ضحايا كورونا. كل هذا يتطلب أن نكون أكثر حزما فى مراقبة ما يحدث، فأنا أرى فى وسائل النقل العامة والخاصة الكثيرين ممن لا يلتزمون بالكمامة فى استهتار بالغ السوء، وكل يوم أدخل فى مشادات مع جيرانى الذين لا يلتزمون بارتداء الكمامة أثناء ركوب الأسانسير مما يعرض حياة الناس للخطر. فكل المحاذير التى تتحدث عنها الدولة والإجراءات لا يتبعها الناس، وهذه كارثة غير مقبولة لعدم وجود الرقابة.
ركبت مع أحد قادة أوبر، ولاحظت أن الرجل لا يضع الكمامة على وجهه باستهتار غير مقبول، وعندما سألته قال «إن احنا كلنا أمرنا بإيد ربنا»، على الرغم من أن الحرص والرغبة فى عدم إيذاء الآخرين مطلب عقيدى ودينى أيضا. وخاصة أننا مازلنا لا نعرف مدى خطورة المتحور الجديد.
فى ساعات الليل المتأخرة ترى المقاهى مفتوحة.. الناس غير ملتزمة بالكمامات.. الشيشة منتشرة.. غياب الرقابة.. وكل هذا يرجع إلى الثقافة الجاهلة والمتأخرة التى لا تستمع إلى الحقائق العلمية.
العالم كله يهتز، ونحن فى مصر مازلنا نقول إن الدنيا بخير، هى ليست بخير والأخطار القادمة شديدة. نريد أن نرى وزير صحة متمكن وعلى علم ومتفرغ لهذه القضية، وفى وجود الدكتور محمد عوض تاج الدين، لماذا لا يتم تعيينه وزيرا للصحة؟ لأنه الأقدم والأكثر إلماما بجائحة كورونا منذ البداية.. لماذا هذا التأخير؟
إلى جانب أننا لا نرى دورا للشرطة فى متابعة المخالفين، ولا رجال المرور الذين يوقفون «الميكروباصات» المليئة بالعدوى لعدم ارتداء الركاب للكمامة. هذا الإهمال وهذا التسيب سيؤدى بنا إلى مخاطر شديدة.
نحن بحاجة إلى مزيد من العناية.. مزيد من الاهتمام.. مزيد من الدقة.. مزيد من العلم.. مزيد من الرقابة الجادة فى مواجهة هذه الجائحة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved