عن الضريبة التي لم تحسم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 20 يناير 2010 - 11:34 ص بتوقيت القاهرة

 يوم الخميس كان عنوان الصفحة الأولى: لا تعديلات جديدة على قانون الضريبة العقارية. وتحت العنوان أن مصدرا مسئولا فى وزارة المالية نفى موافقة مجلس الشعب على تعديل قانون الضريبة العقارية. ووصف ما تردد بهذا الخصوص بأنه «حملة منظمة لتحريض الرأى العام على مخالفة قانون واجب النفاذ» (المصرى اليوم 14/1). يوم الاثنين 18/1 كان عنوان الصفحة الأولى فى المكان ذاته يقول: مبارك: الضريبة العقارية لم تحسم بعد.

وهو ذات العنوان الذى أبرزته بقية صحف الصباح.

لقد انتهز الرئيس مبارك مناسبة المؤتمر الجماهيرى، الذى عقد بمحافظة كفر الشيخ لكى يهدئ من القلق المخيم على الشارع المصرى جراء قانون الضرائب العقارية، فأعلن أن أمره لم يحسم، وأنه يفكر فى مد فترة تقدير قيمة العقار والضرائب المستحقة عليه، لتصبح عشر سنوات بدلا من خمس، كما هو الحال فى القانون الجديد، مع وضع معدل التضخم فى الاعتبار عند إعادة التقدير. كما سيتم بحث التدرج فى نسبة الضريبة. وهو كلام يتضمن أكثر من رسالة. أولها أن باب مراجعة بعض مواد القانون لا يزال مفتوحا. ثانيها أن القانون لم يدرس جيدا ولم يعط حقه من التمحيص بدليل ما ظهر فيه من ثغرات بعد إقراره. ثالثها أن قلق الشارع المصرى وصل إلى مسامع الرئيس فى حين لم يأبه به وزير المالية أو الحكومة. الرسالة الرابعة أن ظهور بعض العيوب فى القانون بعد أن مر بكل مراحل الإصدار لا يعنى فقط أن أعضاء الحزب الوطنى، الذين يمثلون الأغلبية «بصموا» عليه تنفيذا للتعليمات الحزبية التى صدرت لهم، ولكنه يعنى أيضا أن إحساس الرئيس بالشارع فى هذه الحالة كان أقوى من إحساس مجلس «الشعب» به. وهو ما يستدعى السؤال التالى: أى قدر من العنت والمشقة يمكن أن يستشعره الناس لو أن الرئيس لم يتدخل، وما قيمة المؤسسات التى مررت القانون إذا ظل علاج ثغراته مرهونا بالتدخل الرئاسى؟

بقيت عندى كلمتان، الأولى خلاصتها أن المدافعين عن فرض الضريبة يحتجون بأنها مطبقة فى دول العالم «المحترمة». ورغم أننى أتمنى أن نكون منها، فإننى أذكر بأن المجتمع فى تلك الدول يشارك ويراقب، بعكس الحاصل عندنا، ومن ثم فإننى أخشى أن نقتبس منها فقط ما نأخذه من الناس، ونتجاهل ما تقدمه لهم بالمقابل. ولئن قيل فى الرد على ذلك إن 25٪ من قيمة الضريبة ستقدم إلى المحليات لكى تحسن من الخدمات المقدمة للناس، فردى على ذلك أن رسوم النظافة فرضت على المصريين فرضا، وأجبروا على دفعها مع إيصالات الكهرباء، وكانت النتيجة أن أكوام القمامة انتشرت فى الشوارع، بأكثر مما كانت عليه قبل فرض الرسوم. الأمر الذى يعزز الانطباع بأن الحكومة ستحصل أموال الضريبة العقارية، ولن تتذكر الناس إلا عندما يحين موعد التحصيل التالى. وهى مطمئنة إلى أن أحدا لن يسائلها أو يحاسبها.

الكلمة الثانية خلاصتها أن الظاهر بيبرس لما خرج إلى قتال التتار بالشام تحصل على فتاوى من العلماء أجازت له أخذ مال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو. ولكن واحدا هو الشيخ محيى الدين النورى رفض أن يفتيه بذلك، ولما سأله عن سبب امتناعه قال: أنا أعرف أنك كنت فى الرق للأمير «بندقدار» وليس لك مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصه (كيس) من ذهب. وعندك مائتا جارية لكل جارية حق (صندوق) من الحلى، فإذا انفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبنود (الاعلام) الصوف بدلا من الحوائص، وبقيت الجوارى بثيابهن دون الحلى، افتيتك بأخذ المال من الرعية.

ثمة رواية أخرى تحدثت عن حوار بين السلطان قطز وبين سلطان العلماء العز بن عبدالسلام. وكان السلطان يريد منه فتوى تجيز له أن يقترض من أموال التجار لتجهيز جيشه المتجه لصد هجوم التتار فى الشام، فرد عليه الشيخ قائلا: «إذا احضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلى الحرام، وضربته سكة ونقدا وفرقته فى الجيش ولم يقم بكفايتهم، فى ذلك الوقت أطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا».

الرسالة واضحة فى الحالتين، وهى أن أهل الحكم قبل أن يمدوا أيديهم إلى جيوب الناس عند الحاجة، عليهم أن يبدأوا بأنفسهم أولا، لأنه لا يجوز أن يتقلبوا فى بحور الثراء والنعيم، فى حين يطالبون الناس بتوفير الموارد وتدبيرها. وهى رسالة لا داعى لأن نبذل جهدا لتنزيلها على زماننا، لأن أهل الإفتاء عندنا لا يملكون جرأة مواجهة السلطان ومماليكه!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved