تونس والبديل الجديد

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الخميس 20 يناير 2011 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

 أهم ما أقدم عليه التونسيون هو أنهم أضافوا بديلا جديدا لم يكن موجودا فى القائمة العربية. وسيظل هذا البديل مطروحا للأبد إلى أن ينتفى مبرر وجوده وهو الاستبداد. بديل الانتفاضة الشعبية ضد النظام الحاكم ليس معهودا فى منطقتنا العربية رغما عن وجود مظاهر احتجاج جزئية معروفة.

وهذا جديد بحق فى واقعنا العربى الذى عرف تغيرا فى قمة هرم السلطة السياسية لأسباب تتعلق بالموت أو الاغتيال أو الانقلاب أو الاحتلال الأجنبى. لكن نادرا ما ارتبط الأمر بانتفاضة شعبية أو قطعا بانتخابات حرة نزيهة.

قيمة هذا البديل الجديد هو أنه يفكك الأيديولوجية العربية التقليدية التى رسخت فكرة أن العربى هو إما أسير لدى حكومته أو مقيم فى وطن ليس وطنه ولكنه ليس مواطنا كامل الأهلية يتمتع فعليا بحقوقه ويمارسها. ولكن التونسيين تحولوا من مقاعد الأسرى والمقيمين ليعلنوا أنهم «أصحاب البلد» بحق.

إن الاستبداد العربى ما كان ليستمر بدون «أيديولوجية» تخدمه، وبحكم التعريف فإن الأيديولوجية هى نسق فكرى يعمد إلى تبسيط الواقع بدرجة تناسب البسطاء فتزداد مقدرتها التعبوية أو التخديرية؛ فتعبئة الناس ضد عدو خارجى (إسرائيل أو أمريكا) أو تخديره للاهتمام بأمور غير سياسية (مثل الرياضة أو الدين) آليات لم تزل فعالة فى مجتمعاتنا العربية.

ولكن الأمور قطعا تتغير. فكما قيل: هل تريد أن تفكك الاستبداد وأن تدمر قواعده الراسخة؟ عليك أن تكسر احتكار المستبدين للمعلومات والقدرة على تشكيل وعى الناس. هذه من مقولات مفكر فرنسى مهم اسمه ميشيل فوكو. واختبر هذا الكلام فى العديد من الدول التى تحولت ديمقراطيا منذ مطلع السبعينيات، لنجد أن أنظمة الحكم المستبدة تنهار حين تنهار قدرة من يحكمها على تشكيل وعى الناس.

إن معادلة معاوية الشهيرة القائمة على مبادلة «الغضب بالحقد» تختل فى ظل التزايد فى الإحباط عند الشباب المتعلم العاطل عن العمل. ومعادلة معاوية تلك كما أوردها ابن كثير فى (البداية والنهاية) تقول: «إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حِلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا. فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندرى أتكون لنا الدائرة أم علينا».

إن أدوات السيطرة على عقول العوام تتراجع بشدة، ولم يعد موقع «العبودية السياسية» مرضيا لطموحات الأجيال الجديدة. وكما قال: الشاعر محمد إقبال: «إن السادة يدينون لعبيدهم بموقع السيادة، فلو لم يقبلهم العبيد سادة لما سادوا».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved