علاء.. والمثقف.. وخطاب الثورة

صبرى حافظ
صبرى حافظ

آخر تحديث: الجمعة 20 يناير 2012 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

ها هى مصر وقد اندلعت الثورة فيها من جديد تستقطب اهتمام العالم، بعد أن سعى المجلس العسكرى لإخماد صوتها، ووضعها فى مباءة التبعية والهوان التى وضعها فيها السادات، ثم أبقاها فيها مبارك لعقود طويلة. وها هو صوت الثورة وخطابها يفرض نفسه من جديد فى مواجهة صوت التدليس وخطاباته المهترئة. وقد أنفقت الأسابيع الماضية أكتب عن خيانة المثقفين وعن دورهم المخزى فى تمييع خطاب الثورة، وركوب موجتها من أجل شيطنتها، وتسويغ حكم العسكر الذى يحوّل هذه الثورة النبيلة التى أذهلت العالم كله إلى انقلاب عسكرى قمىء. وضربت فى تلك المقالات أمثلة كثيرة من المثقفين الذين عملوا فى خدمة الاستبداد، استبداد مبارك ونظامه الفاسد، وتكون «لحم أكتافهم» وأقفيتهم الغليظة من علف حظيرته التى أدخلهم فيها «الوزير الفنان» ومساعده الهمام جابر عصفور. ثم سارع خدّام الاستبداد إلى ركوب موجة الثورة، بتقديم خدماتهم للنظام الجديد الذى شملهم بالطبع بعنايته، فتصدرت أسماؤهم قوائم أسامة هيكل المخزية من المسموح لهم بالإفتاء فى تليفزيون الدولة المصرية، يشقشقون بأهمية الدولة المدنية، وهم فى حقيقة الأمر يريدونها عسكرية.

 

وامتلأ تليفزيون الدولة من جديد بنفس الوجوه الكالحة التى فرضها علينا أيام مبارك المخلوع. وبدلا من مجدى الدقاق، نجم لجنة السياسات المقبورة، والذى يبدو أن لديه قدرا من الحياء يفتقده الكثيرون فاختفى، ها هو وحيد عبدالمجيد، أبرز الأسماء فى قائمة أنس الفقى الجديد، يصبح وجها مفروضا على كل الحوارات مع آخرين من سكان الحظيرة القديمة/ الجديدة. الجديد فى الأمر هو إضافة مجموعة من اللواءات يستهدف خطابهم تلميع صورة العسكر، وإيقاد الشموع والمباخر من حولهم، بينما تطفئ تصرفاتهم كل شموع الخطاب وتكذبه.

 

وتصور المجلس العسكرى أن الأمور قد دانت له واستتبت، وأن الثورة قد انتهت بسلسلة إجراءاته التى وضعت عشرات من رموز نظام مبارك الفاسد فى السجن، بينما قدمت الآلاف من الثوار للمحاكم العسكرية، وزجّت الآلاف منهم بالسجون، ثم فرقت الباقين وحولتهم إلى فرقاء يتصارعون على فتات المقاعد والأدوار، بدءا من التعديلات الدستورية واستفتائها، وانتهاء بوثيقة السلمى التى أرادوا بتمريرها تقنين عملية تحويل الثورة النبيلة إلى انقلاب عسكرى قمىء. وصدق المجلس نفاق المثقفين الجهلة له، وهم يدعونه إلى البقاء فى السلطة لثلاث سنوات على الأقل، ويرشحون رئيسه، الذى تجأر الجموع فى ميدان التحرير بإسقاطه، لرئاسة الجمهورية. فخدّام الاستبداد لا يستطيعون العيش إلا فى ظل استبداد جديد. ولا يعون أن الشعب الذى قوض قلعة الاستبداد، لن يقبل أن يقيموا على انقاضها قلعة استبداد جديدة. فها هى معاول الشعب تنقض عليها وهى لا تزال موقعا مزريا للبناء، وأكواما من الحجارة لا تنفع إلا لرجم هؤلاء المثقفين الخونة.

 

لكن خطابات المثقفين من خدّام الاستبداد، لم تنطل على الشعب. وها هو اندلاع الثورة من جديد يؤكد أن الخطاب الفاسد الذى سعى هؤلاء المثقفون لترويجه واستخدامه لشيطنة الثورة، من أجل الاستقرار، ومؤشرات البورصة المضحكة، وتعثر الديون التى يريدون بها المزيد من تكبيل مصر ورهنها لرأس المال الأجنبي، واستعادة الأمن المفقود عمدا، كى يمنح افتقاده شيئا من المصداقية المفقودة للخطاب المكذوب، لم ينجح هذا كله فى تضليل الناس أو حتى فى صرفهم عن أهداف ثورتهم. ذلك لأنه كان هناك فى مواجهة هذا الخطاب التدليسى الزائف، لا النقد المستمر له والذى يكشف عن زيفه ومضمراته الفاسدة فحسب، كما فعلت خلال الأسابيع الماضية، ولكن أيضا خطاب الثورة الجديد، ومثقفها القادر على أن يطرح خطابها ورؤاها فى مواجهة خطاب المثقفين الخونة الفاسد، وممارسات السلطة المزرية التى استهدفت تحويل الثورة النبيلة إلى انقلاب عسكرى قميء.

 

والواقع أن علاء عبدالفتاح قد طرح بخطابه وفعله معا خطاب الثورة النبيل، فى مواجهة خطاب المثقفين الخونة التدليسي. فمع أننى لم أقرأ له إلا حفنة من المقالات التى نشرها فى الصحف، وتابعت قضيته التى رفض فيها من حيث المبدأ منح المحاكم العسكرية أى شرعية على المدنيين، ورفض الاعتراف بها والإجابة عن أسئلتها، حتى لو كانت لديها بالباطل، وليس بالحق أو القانون، القدرة على حبسه وتجديد حبسه المرة تلو الأخرى، إلا أننى أعتبر أن خطابه هذا على بساطته المقنعة استطاع، لا أن يكشف عن زيف خطاب المثقفين الخونة فحسب، وإنما أن يطرح خطاب الثورة المدعوم بالحق، وبالموقف الأخلاقى الأعلى فى مواجهة خطاب خدّام الاستبداد الزائف، وممارسات السلطة العارية من الحق والقانون. والواقع أن موقف علاء الشجاع، والذى تحول به ومعه إلى رمز لآلاف الشبان الثوار الذين انتهك المجلس العسكرى حقوقهم، هو الذى أكسب خطابه الذى كان ينشره عن الثورة، ومازال ينشره حتى من محبسه، فاعليته وشرعيته. لأن ما يكسب أى خطاب ثقافى الدور والفاعلية والشرعية هو اقتناع صاحب الخطاب به، إلى حد الاستعداد للتضحية من أجله. وشتان بين خطاب يدفع صاحبه من حريته ثمن الدفاع عنه، وخطاب المرجفة قلوبهم الذين كانوا ينافقون سلطة مبارك ويخدمون نظامه، فلما سقطت، لم يضيعوا وقتا فى تغيير خطابهم لينافق السلطة التى حلت مكانها، ليواصلوا جنى ثمار نفاقهم منها جاها ومالا. وها هو اندلاع الثورة من جديد، يفرز الخطابين، ويؤكد فى الوقت نفسه سلامة العقل المصرى الذى لم تخدعه أضاليل المرجفة قلوبهم، واستجاب لخطاب المثقف الشاب الشجاع الذى آمن بخطابه، فصدقه الكثيرون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved