رعاية المهددين فى الداخل

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 20 يناير 2016 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

فى أى مجتمع لايزال يحتفظ بإنسانيته، حين تعلن على الملأ قائمة بأسماء ١٩ مواطنا على شفا الموت فى أحد السجون. فالحد الأدنى أن تتحرى الأمر منظمات حقوق الإنسان. بحيث يتوجه وفد يمثلها إلى السجن مصحوبا بآخرين يمثلون نقابة الأطباء للتثبت من صحة الادعاء، واتخاذ ما يلزم لإنقاذ حياتهم مع محاسبة الذين سمحوا بتدهور أوضاعهم أو الذين أوصلوهم إلى تلك الحالة البائسة.
أتحدث عن قائمة الأسماء التى جرى تداولها أمس (الأربعاء ٢٠/١)على مواقع التواصل الاجتماعى نقلا عن رابطة أسر معتقلى سجن العقرب. إذ أوردت نماذج لحالات مواطنين منهم من فقد بصره ومنهم من أصيب بالشلل النصفى أو الكلى، ومنهم من أصيب بكسور أو يعانى من النزيف الحاد أو يتقيأ دما.. إلخ. وهؤلاء جميعا ذكرت أسماؤهم ويحتاجون إلى علاج سريع ينقذهم من الموت الذى باتوا جميعا على بعد خطوات قليلة منه.
أتوقع أن يحدث النشر صدمة فى أوساط الأهالى من آباء وأمهات وزوجات وأبناء. ولست أشك فى أن بيوتا عدة علا فيها الصراخ والعويل وغرقت فى بحار من الدموع حين بلغهم الخبر. لكن يبدو أنه لم يكن هناك مفر من المغامرة باحتمال تلك الصدمة، لكى تتحرك الضمائر التى استكانت والقلوب التى تحجرت والأعين التى أغمضت، عسى أن يفعل أحد شيئا لإنقاذ هؤلاء وأمثالهم. والرسالة هنا موجهة إلى الحقوقيين ونقابة الأطباء. وتمنيت أن تصل إلى مسامع أولى الأمر فى الدولة بعامة وفى وزارة الداخلية بوجه أخص. ذلك أنهم مسئولون أمام القانون والتاريخ وأمام الله عن مصائر هؤلاء وأمثالهم ممن يساقون إلى الموت تحت أعين الجميع وبعلمهم بعد إشهار البلاغ. ولست أحصر المسئولية فى هؤلاء وحدهم لكنى أزعم أن كل أصحاب الضمائر التى لم تمت فى المجتمع يصبحون شركاء فى الجريمة إذا ما ظلوا شركاء فى الصمت وإغماض الأعين.
لست بحاجة إلى إيراد حجج أو حيثيات لتأيد الدعوة إلى إنقاذ أمثال أولئك المسجونين أو تخفيف حسرة وأحزان أهاليهم المكلومين. لكننى أذكر فقط بأن أمثال تلك الممارسات التى تتردد فى مختلف السجون تزرع بذور شرور كثيرة وجسيمة فى ذات الوقت. وأنبه إلى أن الذين تحدثوا عن تجنيب مصر المصير الذى آلت إليه الأوضاع فى سوريا والعراق يفوتهم أن ما حدث فى البلدين كان بعض ثمار ممارسات شبيهة بما يحدث الآن فى سجن العقرب وغيره من السجون المصرية. وهو ما يعنى أننا إذا كنا قد تجنبنا الوقوع فى مستنقع المصير الفاجع الذى حل بالبلدين، فإن ما يجرى الآن يضع أقدامنا على ذات الدرب الذى أوصلهم إلى ما وصلوا إليه.
إن معاناة المسجونين وعذاباتهم تشيع فى أجوائهم مشاعر السخط والكراهية والنقمة، التى تتحول بمضى الوقت إلى براكين غضب مرشحة للانفجار فى أى وقت. ثم إن لهؤلاء أهالى وامتدادات ومحيطا اجتماعيا لن يكون بعيدا عن تلك المشاعر. وليس مستغربا فى هذه الحالة أن تترجم النقمة إلى أفعال وممارسات لا نقبلها تهدد أمن المجتمع واستقراره. وإذا وضعنا فى الاعتبار أن التقدير المتواتر لحجم المعتقلين يعتبرهم فى حدود ٤٠ ألف شخص (مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد يؤكد بأن مصادرهم فى وزارة الداخلية ترتفع بالرقم إلى ٦٠ ألفا)فلنا أن نتصور أصداء ممارسات التعذيب والتنكيل فى أوساط ذلك المحيط الكبير من البشر. ولا ينبغى فى كل الأحوال أن ننسى أننا لن نحصد فى نهاية المطاف سوى ثمار ما زرعناه.
وأنا أكتب هذه الكلمات علمت أن شابا اسمه ضياء فى الثانية والعشرين من العمر أقدم على الانتحار فى سجن العقرب عن طريق قطع شريان فى يده استخدم فيه زجاج لمبة الإضاءة التى كسرها. وقد نفت وزارة الداخلية النبأ، إلا أن المحامين أكدوه واستدلوا على ذلك بوقف زيارة النزلاء أمس ولأجل غير معلوم. لم يتسن لى أن أستوثق من الخبر، لكننى لن أستغرب إذا ثبتت صحته. ذلك أن الشاب إذا كان قد فعلها فربما كان تصرفه مفهوما، فإذا كان قد شاهد من حوله يموتون ببطء، فربما دفعه باليأس والاكتئاب إلى استعجال الرحيل.
أمس أبرزت الصحف المصرية خبرا سارا عن تحرير المصريين المختطفين فى ليبيا واستقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى لهم، ونقلت جريدة «الأهرام» فى عناوين الصفحة الأولى قول الرئيس: لن نترك مواطنا مهددا بأى مكان فى العالم. وفى استهلال الخبر المنشور وردت العبارة التالية: فى تأكيد جديد بأن مصر لا تفرط فى حياة أبنائها أو تتهاون فى رعايتهم بالداخل والخارج، استقبل الرئيس بمطار القاهرة ٣٠ شابا مصريا تم تحريرهم من أيدى الميليشيات الإرهابية فى ليبيا.. إلخ.
وقد شاءت المقادير أن ينشر الخبر فى نفس اليوم مع المناشدة التى وجهتها رابطة أسر معتقلى سجن العقرب لإنقاذ ١٩ مصريا مهددين بالموت فى سجن العقرب، الأمر الذى جعلنى أتساءل: هل يمكن أن تشملهم أيضا تلك الرعاية باعتبارهم ضمن المهددين فى الداخل؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved