المغرب ــ تونس فى اتساع دوائر الخوف

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 20 يناير 2019 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى حول تأثير دوائر الخوف على المسار الانتقالى التونسى.. وجاء فيه:

نتخذ من «دوائر الخوف»، وهى فكرة بنى عليها الراحل نصر حامد أبوزيد تحليله لواقع المرأة العربية فى العصر الحديث، مطية للحديث عن اتساع دوائر الخوف فى تونس وتعدد مجالاتها وتشابك مكوناتها وأثرها على المسار الانتقالى ونحن نستعد لخوض الانتخابات. وتتمثل الدائرة الأولى فى شعور المنتمين إلى حزب النهضة من قيادات وقواعد بالخوف: الخوف من المحاسبة بعد أن تمظهرت بوادر المساءلة وانكشفت الحجب لتظهر روايات مدعومة بوثائق وشهادات.. والحال أن القوم اعتقدوا أن الملف قد أحكم غلقه وحصل التوافق وتحقق الإفلات من المساءلة والمحاسبة. وقد بدت حالة الخوف جلية من خلال ردود الفعل المرتبكة والانفعالية وغير المقنعة: والتى تراوحت بين محاولات الدفاع التى تتخذ من الهجوم والتهديد استراتيجية، والسعى إلى التفاوض وتقديم التنازلات، فضلا عن التنصل من المسئوليات والإنكار بل وصل الأمر إلى تخلص الحزب من بعض العناصر التى أضحت تشكل عامل تهديد لمساره.
وتكمن تجليات الخوف فى التوجس من المستقبل، والخشية من تأثير الجبهة الشعبية والمتعاطفين معها أو مع الشهيدين بلعيد والبراهمى على مسار الانتخابات، لاسيما بعد أن سعى القياديون والفاعلون إلى تنشيط ذاكرة التونسيين وكشف النقاب عن قضايا تتصل بدور الجهاز السرى فى مسار الانتقال الديمقراطى، وتورط الحزب فى قتل الشهيدين وضياع الهبة الصينية.. ومما لاشك فيه أن هذا الاحتقان سيربك تموقع حزب النهضة سياسيا واجتماعيا ويعيد تشكيل صورته فى الداخل والخارج.
أما الدائرة الثانية فتتمثل فى هيمنة مشاعر الخوف على المهمشين والمنسيين بعد أن عسر العيش وباتت البلاد فى نظرهم، تلفظ أبناءها عاجزة عن تقديم ضمانات وإجابات مطمئنة بخصوص الحاضر والمستقبل. وحين تتضاعف نسب البطالة وتغيب النماذج القدوة ويستشرى الفساد لا يبقى أمام هؤلاء المحبطين سوى الاحتراق أو الحرقة ووهم التحرر من ضنك العيش. وحين تضيق الحياة ويوأد الحلم تستبد الكآبة بالناس ويصبح الموت هو المنتهى فلا تسأل بعدها ما الذى يدفع الشبان والكهول: الرجال والنساء إلى قطع الوصلة بالوطن والرحيل بلا عودة؟
وإذا نظرنا إلى الدائرة الثالثة للخوف اتضحت لنا الصلة بين السياق الاقتصادى السياسى والطبقة. فالمنتمون إلى الطبقة الوسطى أربكت منازلهم وما عادوا يمثلون قوة التحديث. فالفئة التى كانت فى أعلى الترتيب صارت أقرب إلى الطبقة الدنيا ومن ثم صارت فاعلة فى المسار الاحتجاجى أكثر من ذى قبل نظرا إلى التهديدات التى بدأت تلاحظها إن كان على مستوى الحاضر أو المستقبل أو بالعكس هاربة من الواقع المعقد مرتمية فى أحضان من يسوقون خطابا دينيا مطمئنا.
لا تقتصر دوائر الخوف على المهمشين والفاعلين السياسيين الراغبين فى ديمومة المناصب والسلطة والامتيازات ولا على الطبقات: الوسطى و«البورجوازية» التى باتت الهجرة تمثل عند أكثرهم، الحل الوحيد للخروج من حالة الإحباط بل ثمة دائرة من المخاوف يلتقى حولها الجميع سمتها الشعور بأن المناخ الاجتماعى السياسى بات يهدد استقرار البلاد بعد أن ارتفع منسوب العنف والكره وتضاعفت نسبة الجريمة وصارت سلامة المواطنين مهددة. وهنا بات السؤال المركزى: هل يمكن إجراء الانتخابات فى سياق غير آمن يتسم بالعنف وانهيار القيم، وفى مسار باتت فيه القوى السياسية المعضودة بفئة من الإعلاميين ورجال الأعمال تتصارع من أجل الاستحواذ على السلطة كلفها ذلك ما كلفها؟
«دوائر الخوف» مسلك من المسالك لمقاربة المسار الانتقالى الحالى من منظور يرصد الحالة النفسية للفئات التى من المحتمل أن تشارك فى العملية الانتخابية بعد أن عسر تحليل الواقع السياسى الاجتماعى من خلال العقلنة. وليس رصد مشاعر التونسيين فى هذا السياق المفصلى إلا محاولة للفهم واستشراف المستقبل فى ضوء تقلبات الذات وبحثها عن الخلاص والملجأ والمنقذ والحضن الدافئ بعد أن ضاقت الدنيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved