سبب التداعيات السياسية المتواضعة للوباء في الشرق الأوسط

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 20 يناير 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS مقالا للكاتب جون ألترمان، حاول الكاتب فى مقاله تفسير سبب تضاؤل التداعيات السياسية للوباء على بلدان الشرق الأوسط، رغم معاناة شعوب المنطقة بالفعل قبل الوباء ليجىء الأخير فيزيدها معاناة فوق معاناتها... نعرض منه ما يلى.
فى الأيام الأولى لوباء كوفيدــ19، كان عدد قليل من حكومات الشرق الأوسط يظهر قدرة كافية على وقف انتشار الوباء، بينما بدا معظمهم غير مستعد لحماية مواطنيهم ومواطناتهم من الخراب الاقتصادى لتأثيراته، مع وجود الكثير من الناس بالفعل فى حالة عوز ويفتقر الكثير منهم إلى الوظائف المستقرة. باختصار، كانت شعوب الشرق الأوسط تعيش على حافة الهاوية. وبالتالى كان من شأن كوفيدــ19 أن يعطل الاقتصادات ويخفض الدخل ويظهر عدم كفاءة الحكومة. لذلك بدا الوباء عاملا مساعدا لإدخال المنطقة فى حالة من الفوضى.
لكن بعد مرور عامين تقريبا، لم يوقع الوباء المنطقة فى حالة من الفوضى، على الأقل حتى الآن. وفى الواقع، كانت التداعيات السياسية للوباء متواضعة نسبيا فى كل مكان حول العالم. لكن تتطلب التداعيات السياسية المتواضعة للوباء فى بلاد الشرق الأوسط تفسيرا، حيث الأوضاع المعيشية بالفعل متهاوية.
فى مستهل الحديث، إذا كانت هناك أى استجابة غير فعالة للحكومة تجاه الوباء فى الشرق الأوسط فهى فى إيران. حيث تضررت إيران من الوباء فى وقت مبكر وبشدة، وكانت معدلات الإصابة فى إيران لعدة أشهر من بين أعلى المعدلات فى العالم. وفى بداية الوباء، قلل المسئولون الإيرانيون من خطورة المرض، وأعاقت ثقة الجمهور المنخفضة بالفعل فى الحكومة أى استجابة سعت الحكومة إلى حشدها. كما فى العامين الماضيين، شهدت البلاد خمس موجات من الوفيات، كل واحدة منها أكبر من سابقتها. وحتى يومنا هذا، التردد فى اللقاحات مرتفع، لأسباب ليس أقلها أن الكثير من الشعب الإيرانى لا يهتم كثيرا باللقاحات المنتجة محليا.
كان الاقتصاد الإيرانى يترنح بالفعل قبل الوباء، وكان الناتج المحلى الإجمالى ينخفض حيث أدى الوباء إلى تقلص الطلب العالمى على النفط وانخفاض أسعار الطاقة العالمية. لكن على الرغم من تعثر صادرات إيران من الطاقة بسبب العقوبات، لا تزال البلاد تبيع مئات الآلاف من براميل النفط يوميا فى الأسواق العالمية؛ إلا أن انخفاض الأسعار أدى إلى تدهور الاقتصاد أكثر فالتضخم بدأ يصل لنحو 50 فى المائة.
ومع ذلك، عندما أجرت إيران انتخابات الصيف الماضى، لم يندفع السكان إلى الشوارع للمطالبة بوضع حد للجنون الناجم عن فيروس كورونا بل كانت الاحتجاجات بسبب نقص المياه والكهرباء. أدى الوباء إلى تعميق محنة الشعب الإيرانى بشكل حاد، ولا يبدو أنه قد أسفر عن رد فعل سياسى.
على الجانب الآخر فى الشرق الأوسط توجد إسرائيل. كانت الدولة حازمة فى حماية صحة الشعب الإسرائيلى حيث أبرم رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو صفقة مبتكرة مع شركة فايزر لتأمين اللقاحات المبكرة لشعبه. نتيجة لذلك، كانت إسرائيل هى الدولة الأولى فى العالم التى قامت بتلقيح غالبية سكانها، مما أتاح للجمهور فرصا مبكرة للعودة إلى الحياة الطبيعية فى ربيع عام 2021.
فى إسرائيل يبدو أن التداعيات السياسية للوباء كانت ضئيلة أيضا. بعبارة أوضح، خسر نتنياهو إعادة انتخابه فى مارس 2021، بعد ثلاثة انتصارات فى انتخابات متقاربة فى العامين السابقين. ومع ذلك، عندما كان أكبر الأخبار المسيطرة على وسائل الإعلام الإسرائيلية هو نجاح نتنياهو فى تأمين اللقاحات والإشارة إلى طريقة للخروج من الوباء لم يفده هذا الانتصار وخسر الانتخابات فى 2021.
على النقيض، تمثل تونس حالة أكثر تعقيدا. هناك، أدى الوباء إلى تعميق الضائقة الاقتصادية خلال صيف عام 2021. وساهم فى تصاعد الانتقادات للبرلمان، الذى اتهمه النقاد بأنه مشغول وغير قادر على مواجهة تحديات البلاد. الرئيس التونسى، قيس سعيد، انتهز السخط الشعبى لإقالة البرلمان والمطالبة بدستور جديد. وحتى الآن، يبدو أنه يتمتع بدعم شعبى واسع النطاق.
الحالات الأقل تعقيدا هى فى البلدان التى انزلقت إلى صراع داخلى. فسوريا واليمن وليبيا من بين الدول الأكثر غموضا فى المنطقة، حيث تفتقر الحكومات المركزية إلى السيطرة على مساحات شاسعة من أراضيها. فى هذه البلدان، يمكن أن يكون الوصول إلى أى نوع من الرعاية الصحية محاولة محفوفة بالمخاطر، وقد استخدم المقاتلون الوصول إلى الأدوية كأداة سياسية. ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أن العواقب الصحية للعنف أكبر من تلك الناجمة عن الوباء، ولا يبدو أن الوباء نفسه قد غير طبيعة هذه النزاعات.
على كلٍّ، فى البحث عن أسباب العجز النسبى للوباء كقوة سياسية، يجب أن يذهب جزء كبير من الامتنان إلى محافظى البنوك المركزية الذين كانوا قادرين على إبقاء الاقتصادات واقفة على قدميها وسط تراجع النشاط الاقتصادى. كما كان هناك شعور معين بـ«الإيمان بالقدر» بين الجماهير فى الشرق الأوسط، خاصة أن الكثير منهم يشعرون أن جهود عام 2011 فى التغيير السياسى أدت إلى نتائج عكسية، ومن المؤكد أنها لازالت تلعب دورا. هذا بالطبع إضافة إلى الأداء الباهت للحكومات الغربية التى هى نفسها غير قادرة على وقف موجات العدوى الخاصة بها.
ولكن فى الوقت نفسه، يظل الناس متقبلين للدعوات إلى تدعو إلى التجمع فى مواجهة التهديدات. وأصبحت الحكومات أكثر صراحة بشأن أعدائها. كما نمت خدمات الأمن لتصبح أكثر تطورا وأكثر مهارة.
قصارى القول، بدا الشرق الأوسط وكأنه اجتمع قبل عقد من الزمان حول رؤى مثالية، لكن تبدو الحكومات الآن أكثر قدرة على توحيد بلدانها والسيطرة عليها خوفا مما قد يحدث مستقبلا. صحيح قد يخدم ذلك المصالح الحكومية على المدى القريب، ولكن من الصعب رؤيته يخدم المصالح العامة على المدى الطويل.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved