الأزمة المصرية الأمريكية.. حينما يكون الممثل مفضوحا


وليد راشد

آخر تحديث: الإثنين 20 فبراير 2012 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

لا الذى رفض ديمقراطية العالم حين صوتوا لصالح عضوية كاملة لفلسطين فى اليونسكو وعلى اساسها عاقب دول العالم الفقيرة بوقف تمويله مشروعات اليونسكو الانسانية يشجع حقوق الانسان ويدعم الديمقراطية.. ولا الذى يتلقى تمويلا سنويا معلنا منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد وقبل 30 عاما من امريكا وقدره 2.1 مليار دولار لمصر، يخشى تدخلها فى الشؤن الداخلية لمصر.

 

فمن السذاجة بمكان ان تخيل لنفسك ولشعبك ان المساعدات والمعونات الاقتصادية التى تتلقاها ليست مرتبطة بمواقفك السياسية.

 

لا الذى رفض ديمقراطية أتت بحماس على رأس السلطة فى فلسطين يشجع الديمقراطية ويدعمها ولا الذى يتسول المساعدات الاقتصادية من البنك الدولى والدول الثمانى العظمى ودول الخليج يحق له ان يستخدم كلمات طال عليها الزمن وعفى من نوعية لن نركع ولن نستسلم فلم تعد علاقات الدول ببعضها تقوم على غير المصالح المتبادلة والمشتركة.

 

●●●

 

تعريف الديمقراطية فى أعين الإدارة الأمريكية لخصها (دينيس روس) ــ الذى كان مبعوثا خاصا للسلام الشرق الأوسط ــ بقوله بعدما فازت حماس فى الانتخابات الفلسطينية «من حق الناخبين (فى الشرق الأوسط) أن يختاروا من يشاءون، ومن حقنا أن نتعامل مع من نشاء، فالانتخابات لا تصنع ديمقراطية، وليس علينا أن ندعم من يرفضون معتقداتنا».

 

لا الذى دعم ومازال يدعم اعتى الأنظمة الديكتاتورية فى العالم وآخرها نظام مبارك وبن على وعبدالله صالح وإلى آخر القائمة يشجع الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا المجلس العسكرى الذى يمتاز بعلاقات تاريخية مديدة وقوية مع الادارة الامريكية، زينتها صور لقاء المشير طنطاوى مع رئيس الأركان الأمريكية ديمبسى قبل يومين والتى تعكس مدى التقارب والود، جاد فى اتهامه لأمريكا بإنها تسعى لأعمال تخريبية فى مصر.

 

كلاهما بصراحة مطلقة محتالا بامتياز ويخدع شعبه.. وكلاهما يريد لنا دائما ان نفهم غير الذى نرى وأن نصدق غير الذى نسمع. فعلى أمريكا أن تفهم وعلى المجلس العسكرى أيضا أن يفهم أنه ولد فى مصر جيل جديد يفهم ويقرأ ويفكر ويحلل.. حقق ثورة حين كانت الادارة الامريكية ومعها المجلس العسكرى يدعمان مبارك وتشجعانه على فسادة وانتهاكه لأبسط معانى حقوق الإنسان.

 

ولا يوجد فى كل كتب وعلم السياسة فى التاريخ كله ما يسمى بـ(الدعم المطلق للديمقراطية فى أى بلد أى كانت نواتجها ) ــ الجميع يدعم مصالحه ومصالحه فقط. ومن حق أى طرف أن يرى مصالحه كيفما يشاء بل والعادى والطبيعى أن يسعى لتحقيق تلك المصلحة. ولا أمانع نهائيا أن يلعب كلاكما سياسة ولكن أمانع وبشدة أن يتم استغفالنا بكلمات رنانة تستخدمها امريكا من نوعية دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان أو كلمات يستخدمها المجلس العسكرى من نوعية مصر مستهدفة وهناك مؤامرات عليها.

 

إذا كانت أمريكا حقا تدعم الديمقراطية ويشغلها الانسان وحقوقه فى مصر عليها فورا وقف تصدير شحنات القنابل المسيلة للدموع التى خنقت وقتلت ومازالت تقتل المتظاهرين السلميين فى مصر وغيرها من الدول. واذا كانوا بحق يدعموا حقوق الانسان عليهم أن يعلنوا عن دعمهم لحق الشعب الفلسطينى فى الاعتراف بدولته المستقلة.

 

وإذا كان المجلس العسكرى بحق يرى فى عمل منظمات المجتمع المدنى الأمريكية شبهات تصل إلى حد التجسس وتخريب البلد كما ينشرون فى أبواق اعلامهم صباحا ومساء، فهل هذه اتهامات تعالجها حوارات السياسة واللقاءات المشتركة والصور؟ ما هى قرارتك التى اتخذتها ضد امريكا أيها المجلس الوطنى العظيم؟ هل سحبت سفيرنا فى واشنطن مثلا؟ هل استدعيت السفيرة الامريكية فى مصر لإبلاغها تهديد شديد اللهجة بانتهاك إدارتها لسيادة الدولة المصرية؟ هل حتى عدلت فى قوانين منظمات المجتمع المدنى واعلنت انه لا تمويل خارجى بعد اليوم فى مصر؟ الإجابة على كل الاسئة (لا شىء) لم تفعل ولن تفعل شيئا. بل على العكس تماما فالسيدة فايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى لا تكف عن ملىء آذاننا بأن العلاقات المصرية الأمريكية إستراتيجية وأن أزمة منظمات المجتمع المدنى لن تؤثر على علاقات البلدين.

 

●●●

 

نعم هناك أزمة وعدم ارتياح فاحت رائحته بين الإدارتين المصرية والأمريكية.. لكن الازمة الحالية المعلنة ما هى إلا غطاء يلعب من خلفه الطرفان سياسة. وستستمر الازمة طالما لم يصارح الطرفان بماذا يريد كلاهما من الآخر وستسمر الازمة طالما لبست أمريكا قناع دعم الديمقراطية ولبس أمامها المجلس العسكرى قناع التدخل الأجنبى.. وستنتهى الازمة فى اقرب فرصة وعلى حين فجأة ودون مقدمات حين يأخذ كل طرف من الاخر ما يريد... هى فقط مسألة وقت.

 

أمريكا لا تستطيع ان تعيش دون ان تزرع أنفها فى كل شىء يدور حولها ظنا منها ان العالم يتآمر عليها وعليها حماية نفسها وما يعنيها الآن ان تضمن تعاونا وشكلا للعلاقة مع الادارة المصرية الجديدة لا يختلف كثيرا عن علاقتها بمبارك.

 

والمجلس العسكرى لا يستطيع ان يعيش دون ان يرسم سيناريوهات ويطلق فزاعات فى اوجه المصريين ان مصر مستهدفة وان هناك مخططا لتقسيمها. فالمجلس العسكرى اضاع على نفسه فرصة تاريخيه فى مصر بسوء ادارته للفترة الانتقالية منذ رحيل مبارك، انعكس سوء ادارته على انخفاض شعبيته لأدنى مستوياتها التى بدأت من (الجيش والشعب ايد واحدة ) ووصلت إلى (يسقط يسقط حكم العسكر) وقالوا قديما ان هاجمك معارضوك فاتهمهم بأنهم اصدقاء الامريكان حتى وان كنت انت نفسك اشد اصدقاء الامريكان. اسلوب قديم مكرر استهلك يوضح انه لم يحدث اى تطور فى عقول من يحكموننا وان الفلسفة مازلت هى نفسها.

 

لكن هذه المرة يعتقد المجلس العسكرى انه الطرف الاقوى حاليا فى هذه الأزمة ورأيى كذلك ــ فقد هزم الحليف الاستراتيجى لأمريكا شر هزيمة وعليه فالطبيعى ان تأتى أمريكا لخليفة مبارك لبناء شكل العلاقة الجديدة، واعتقاده أيضا مفاده ان امريكا لا يمكنها الاستغناء عن حليف استراتيجى قوى متمركزا فى اهم مناطق العالم (الشرق الأوسط) وهنا يعتقد الطرف الأقوى أنه عليه أن يملى شروطه ويفرض حدود وشكل ونوع العلاقة الجديدة..وهنا أيضا ذهب معظم المحللين السياسيين على أنه (ينبغى على أمريكا أن تفهم ان كنزها الاستراتيجى مبارك لم يعد على رأس السلطة وأن تغير من شكل علاقتها مع النظام الجديد بعد مبارك ).. لكن هل المجلس العسكرى هو النظام الجديد أو حتى النظام القادم فى مصر؟ كلام المجلس نفسه يؤكد عكس ذلك وأنهم لن يكونوا فى السلطة بعد يونيو المقبل. وعليه فالمجلس العسكرى سيضغط على الإدارة الامريكية قدر استطاعته ليحقق اعلى مكاسب تحقق مصلحته وفى اقرب وقت باعتباره سيرحل فى يونيو المقبل.

 

●●●

 

أول المكاسب حققها بالفعل داخليا من اكتسابه شعبية بهجومه على أمريكا. وثانيها ستكون مكاسب فى منطقة ادارته ــ اقصد العسكرية.. قد تكون الحصول على صفقات اسلحة جديدة مثلا!! أو ورقة ضغط تبدأ على إثرها تعديلات فى اتفاقية كامب ديفد يسعى المجلس العسكرى من خلالها لتعديل بعض البنود الخاصة بانتشار الجنود المصريين فى سيناء؟ كلها بالتأكيد مكاسب، أو يسعى المجلس العسكرى باستبدال المواطنين الأمريكيين المعتقلين فى مصر على ذمة قضية منظمات المجتمع المدنى الغير شرعية مثلما انتهت قضية الجاسوس الإسرائيلى من أصل أمريكى آلان جراييل؟ لكن بمن تستبدلهم هذه المرة؟ قد يكون الشيخ عمر عبدالرحمن المعتقل حاليا بالسجون الأمريكية والصادر فى حقة حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة التورط فى تفجيرات نيويورك عام 1993.. وهنا مكسب جديد لدى الإسلاميين الذى ينتمى لهم الشيخ عمر عبدالرحمن؟ أو مقابل الحصول على عمر عفيفى المعارض والحاصل على حق اللجوء السياسى فى أمريكا والذى يرى فيه المجلس العسكرى احد أسباب إشعال الأزمات الأخيرة فى مصر؟

 

تنطوى المفاوضات دائما على سياسة النفس الطويل... يصر المجلس العسكرى على ان القضية فى يد القضاء المصرى وليست سياسية كنوع من زيادة الضغط على الادارة الامريكية.... لكن قد يطول نفس الإدارة الامريكية إلى ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية وتنتقل الازمة إلى الادارة المصرية الجديدة أو بمعنى ادق إلى ( الاخوان ) الذى اراهم اكثر المستفيدين من تلك الازمة وهنا يكون المجلس العسكرى اكثر الخاسرين فلم ينل غير معاداة الامريكيين.

 

لكن فى النهاية هى مباراة سياسية بحتة لا تمت لا بدعم أمريكا للديمقراطية ولا باعتبار المجلس العسكرى منظمات المجتمع المدنى فى مصر انتهاكا لسيادة الدولة.. ولن يترتب عليها لا وقف المعونة الامريكية ولا غيره... ازمة الطرفين فيها يمثلان بشكل مبالغ فية كممثل مبتدئ يسعى لاثبات جدارتة. كلاكما مفضوح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved