إطفاء التلفزيون عند ظهور رجل السياسة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 20 فبراير 2017 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالا للمعلق السياسى «عادل درويش» يقول فيه إن استغلال الساسة للصحافة سلاح ذو حدين كما أظهر مؤتمران صحفيان، للرئيس دونالد ترمب الخميس فى واشنطن، وتونى بلير فى لندن الجمعة.
ويقصد بالصحافة محيطات الاتصال: مقروءة، مسموعة، مرئية، مؤسساتية وفردية، وتواصلا اجتماعيا، واليوم تشمل الاستعراضات الكوميدية خاصة فى مسيرات الشارع والمهرجانات، ومؤسسة الترفيه والفنون والطرب، فالأوروبية والهوليودية منها مستمرة فى «حملة جهاد» ضد الرئيس الأمريكى المنتخب ديمقراطيا.
إن مؤتمر ترامب الصحفى كان غير معتاد فى تعامل السياسى مع الصحفيين. لكن ترامب ليس سياسيا؛ وهو ليس سبب تحول اللقاءات الصحفية إلى معارك كلامية بين الطرفين فحسب، بل أيضا وراء إعجاب الفئات الشعبية به كبطلها المنقذ من مستنقع اقتصادى اجتماعى أغرقتها فيه المؤسسة الحاكمة التى يرونها فى وسائل الصحافة والمسيرات والمهرجانات ووسائل الفنون التى ذكرتها أعلاه.
لذا يتساءل درويش ما إذا كان ترامب قد تصرف بسذاجة فى المؤتمر الصحفى، أم تعمد أن يظهر أمام العالم الخارجى مدى استهدافه من مؤسسات صحفية بالغة القوة، ويراها الناخب، خاصة مؤيديه، فاسدة؟
إن أسئلة الصحافة، ركزت كلها على، استقالة مايكل فيلين، رئيس وكالة الأمن القومى بعد تسجيل المخابرات الأمريكية مكالمة له مع السفير الروسى، وعلى علاقة ترامب ومعاونيه بروسيا التى لها سفينة حربية على بعد 70 ميلا من شواطئ أمريكا (أى التشكيك فى وطنيته، فالصحافة نفسها شيطنت الزعيم الروسى فلاديمير بوتين). فى حين كانت القضايا الملحة يوم المؤتمر هى: تحرك وول ستريت وسوق المال كرد فعل لسياسات ترامب؛ خطر تطوير كوريا الشمالية لصاروخ من منصات متحركة بوقود جاف يستحيل كشفه قبل إطلاقه؛ الاضطراب حول سياسة حل الدولتين بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى؛ الأزمة مع أعضاء حلف شمال الأطلسى بعد التهديد بتخفيض الميزانية. مع ذلك لم يسأل الصحفيون عن أى من هذه القضايا مما دفع ترامب إلى تكرار اتهاماته بأن الصحافة التقليدية فى حملة ضده بدلا من طرح أسئلة يريد الناس إجابات عنها.
ويؤكد الكاتب أنه طالما أن خدمة «بى بى سى» عامة ممولة من الشعب عبر رسم (يساوى 146 جنيها إسترلينيا) يدفعه كل بيت إجباريا. بالتالى فعندما تتاح لصحفى فرصة توجيه سؤال لزعيم أهم وأقوى بلد فى العالم، فمن البديهى أن يكون من أهم ما يشغل بال قرائه أو مستمعيه أو مشاهديه.
***
ينتقل الكاتب إلى مؤتمر تونى بلير الذى عقد بعد 15 ساعة من مؤتمر ترامب. قال فيه بلير ما معناه: المصوتون بالخروج من الاتحاد الأوروبى (17 مليونا و400 ألف) تم تضليلهم وأنهم لم يعوا الحقائق، ودعا الشعب إلى «الانتفاض» لمنع الخروج (البريكست) وتأسيس تحالف لهذا الغرض.
فى اليوم نفسه أشارت استطلاعات الرأى إلى أن 68 فى المائة من البريطانيين يلحون على الحكومة بالإسراع بالخروج من الاتحاد الأوروبى (كانت 52.3 فى المائة فقط فى الاستفتاء). بالتالى فبلير، مع النخبة التى تدير المؤسسة الصحفية فى وادٍ و68 فى المائة من الشعب (والأمريكيون الذين انتخبوا ترامب) فى وادٍ آخر.
لذا رد وزير الخارجية بوريس جونسون على بلير بـ«نعم يجب على الشعب أن ينتفض من مقاعده ليطفئ جهاز التلفزيون عندما يظهر تونى بلير ليهين ذكاء الشعب».
وفى تبادل اتهامات بين مقدم «سهرة الأنباء» فى «بى بى سى»، ومستشار ترامب الدكتور سباستيان غوركا، ختمها الأخير بقوله «استمروا فى حملتكم... سننهى احتكاركم للمعلومات وسنخاطب الناس مباشرة». فـ«تويتر» هو التلغراف المباشر الذى يرسله ترامب للشعب خاصة أن قاعدته الشعبية من المهمشين لا تثق فى المؤسسات الصحفية.
بعد 48 ساعة فقط من مؤتمره الصحفى التقى ترامب بآلاف من مؤيديه ومعجبيه فى تظاهرة شعبية حاشدة فى فلوريدا. المنظم كان فريق حملته الانتخابية، لا المكتب الصحفى للبيت الأبيض، وهى ــ كما يقول درويش ــ ظاهرة غير مسبوقة فى السياسة الأمريكية أن رئيسا بعد انتخابه، يعود إلى أسلوب الحملة الانتخابية وليس العمل عبر المؤسسات الديمقراطية.
إن تونى بلير، الذى يمتطى المؤسسة التقليدية ليثرى كمستشار عالمى (لبعض أنظمة ديكتاتورية) هو الوجه الآخر لعملة ترامب. بلير يتوجه مباشرة للناس داعيا لهم للانتفاض ضد الخيار الديمقراطى. فهو يعمل بدهاء سياسة مكيافيللية يفتقرها ترامب الذى تحرك مباشرة بعفوية رجل أعمال حول الصحافة التقليدية كلها ضده.
وبالتالى يختتم درويش بأن تخلى الصحافة عن الحياد والدخول فى معارك بغرور المثقفين المتجاهلين لهموم الشعب فيهما خطر فقدان ثقة الشعب الذى سيتجه للتيارات الغوغائية التى تستغلها الحركات الفاشية المعادية للديمقراطية.
فانتخاب ترامب والاستفتاء على أوروبا وأخطاء الصحافة تعنى انتفاضة إطفاء التلفزيون عندما يظهر السياسى الذى يمثل كل ما لا يثق رجل الشارع به.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved