عن الوطن العربى... المحتل: من الجزيرة والخليج مرورا بفلسطين.. وحتى ليبيا!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

طغت الهموم العربية اليومية، وما أثقلها، فغطت على حدث استثنائى بات نادرا فى الحقبة الأخيرة، هو نجاح الصواريخ السورية فى إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية، أمريكية الصنع، F16، فوق الأرض الفلسطينية محترقة، وقد أصيب أحد طياريها بجراح قاتلة، فيما كانت جراح الثانى «خفيفة».

ولقد اجتهدت دوائر الحكم الإسرائيلية فى محاولة تعظيم الدور الإيرانى فى إسقاط الطائرة الحربية، لكن ذلك لم ينفع فى طمس الحقيقة حول هذا الحادث الخطير والأول من نوعه منذ آخر مواجهة سورية مع الطيران الحربى الإسرائيلى فى عام 1982، وكانت نتائجها كارثية على الطيران السورى.

وإذا كانت جولة وزير الخارجية الأمريكية «ريكس تيلرسون» فى المنطقة غطت على أخبار الانتكاسة الجوية الإسرائيلية، فإن تصريحاته التى اختلفت نبرتها فى بيروت عنها فى عمان، لاسيما فى سياق إشارته إلى دور «حزب الله»، واستطرادا إيران، قد أكدت قلق واشنطن من هذا التطور الميدانى، برغم انشغال سوريا، جيشا وشعبا، فى الحرب فيها وعليها.

فى هذا السياق يمكن أن نلحظ ارتفاع نبرة المسئولين اللبنانيين فى إشارتهم إلى محاولة إسرائيل تعديل الحدود البحرية مع لبنان بما يمكنها من سرقة نفطه وذلك بمط «حدودها» لتشمل البلوك 9 من المنطقة النفطية على الساحل اللبنانى، الذى يشكل بطبيعة الحال، امتدادا للساحل الفلسطينى، والسورى والقبرصى حتى حدود مصر البحرية.

كذلك لا بد من التنبه إلى أهداف الحملة التركية على أكراد سوريا بعنوان عفرين والتى يتأكد يوما بعد الآخر أنها قد تستهدف شمال شرقى سوريا، ومحافظة إدلب المتاخمة لحلب من جهة واللاذقية من الجهة الأخرى، مما يمكن تركيا من دخول البازار الدولى المفتوح حول سوريا ما بعد الحرب.
يتصل بذلك ما كشف عن وجود عسكرى أمريكى يتخذ من الأكراد ستارا «لاحتلال» بعض المناطق فى سوريا، انطلاقا من مدينة الرقة التى اجتاحها الأكراد تحت العلم الأمريكى، مع تقدم الميليشيات والتنظيمات متعددة القومية والولاء فى قلب محافظة الجزيرة وصولا إلى آبار النفط والغاز فى منطقة دير الزور وسائر أنحاء البادية السورية على الحدود مع العراق.

إنه احتلال أمريكى مدفوع التكاليف للمنطقة التى تصل وتفصل بين الدولتين العربيتين، العراق وسوريا، والأكراد فيها مجرد مطية أو ذريعة للجم التقدم العسكرى التركى بل الانتقام التركى من الأكراد تحسبا لأى تحرك مضاد وأقوى لأكراد تركيا ضد نظام الحكم فيها، بما يؤثر ــ بحسب منطق النظام فيها ــ على وحدة تركيا.. أما وحدة الأرض السورية، أو الأرض العراقية فمسألة فيها نظر حسب المنطق التركى.

فى هذا السياق تأتى زيارة وزير الخارجية الأمريكية لأنقره، خصوصا أن العلاقات بين البلدين الحليفين تشهد منذ فترة توترا يتزايد حدة، وبين مؤشراته التصريحات العنيفة التى أطلقها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والتى اتهم فيها واشنطن بالتآمر على أنقره والتعامل معها «كتابع» وهو ما ترفضه ومستعدة للرد عليه مهما بلغت أكلافه.

*****

لم يكن إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية حادثا عارضا، بل هو قد فتح أبواب الذاكرة على وقائع الصراع المفتوح، بعنوان فلسطين أساسا ومعها سائر الأراضى العربية التى ما تزال إسرائيل تحتلها، وبينها الجولان السورى المحتل ومزارع شبعا فى لبنان إلخ..

ولقد جاء هذا الحدث، بتوقيته، ردا على تجاوز العديد من الدول العربية حواجز المقاطعة مع العدو الإسرائيلى.. وبينها زيارة الوفد البحرينى، بذريعة التبرك بالمسجد الاقصى، ثم ــ أخيرا وليس آخرا ــ زيارة وزير الخارجية العمانى بذريعة مساندة «السلطة» الفلسطينية والتبرك بالأقصى ومعه مسجد عمر بن الخطاب.

هذا إضافة إلى كسر حاجز العداء بين السعودية ومعها دولة الإمارات مع الكيان الإسرائيلى، من دون أن ننسى أن لقطر سفارة لدى دولة العدو... وقطر كانت السباقة فى إقامة مثل هذه العلاقة المحرمة، وبذريعة حماية أرضها من الاجتياح السعودى فى التسعينيات من القرن الماضى.

*****

فى هذا السياق أيضا يجرى الحديث عن قمة أمريكية خليجية.

ويبدو أن واشنطن قررت أن تتدخل مباشرة لفض الخلاف المحتدم بين السعودية ومعها البحرين ودولة الإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، فى حين حرصت الكويت كعادتها دائما ــ على لعب دور الوسيط، فرحبت الدوحة فى حين رفضت الرياض وأبوظبى..

واضح أن واشنطن هى المستفيد الأعظم من هذا الخلاف المحتدم بين حلفائها من أهل النفط وحليفها من أهل الغاز.. ولقد باعت خلال الشهور القليلة الماضية صفقات مجزية من السلاح للطرفين، كما عززت وجودها العسكرى فى كامل منطقة الجزيرة والخليج.. مستخدمة دائما الذريعة الإيرانية، ثم انشقاق الأخوة على بعضهم البعض.

ومؤكد أن واشنطن تبتز الدول العربية النفطية عموما، مستفيدة من انشغال مصر بذاتها، وطغيان الهموم الداخلية على القرار السياسى العربى عموما. وللتذكير تمكن الإشارة إلى أن الكويت قد تبرعت بعقد مؤتمر عربى ــ دولى لجمع التبرعات، قروضا بفوائد لسد العجز فى ميزانية العراق الذى هدمته الحروب عليه، سواء فى عهد صدام حسين، أو عبر الاحتلال الأمريكى، أو عبر القتال الطويل والمكلف لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» التى كانت قواتها قد احتلت أكثر من نصف مساحة أرض الرافدين.

لكن المؤتمرين، وفيهم دول عربية غنية ودول عظمى حليفة، وملوك النهب الدولى، لم يقدموا ــ أو أنهم لم يعدوا إلا بثلاثين مليار دولار من أصل ثمانين مليارا كان يطلبها العراق.

***

إذن، فإن سوريا غارقة فى دماء أهلها نتيجة الحرب فيها وعليها.. وبرغم تعدد مؤتمرات المصالحة، وآخرها ذلك الذى عُقد تحت الرعاية الروسية فى سوتشى، على البحر الأسود، وحضره أكثر من 1500 عضو، فإن الدول المتضررة من إنهاء هذه الحرب تعمل لمدها..

ولقد تم تشكيل الوفود إلى هذا المؤتمر على عجل، ووصل بعضهم بلا جوازات سفر وانما بإذن مرور سورى ــ روسى، وقاطعت المعارضة المسلحة برغم وصول وفدها إلى سوتشى.. وهكذا فشل المؤتمر فى تحقيق ما هو أكثر من اللقاء بين إخوة متباعدين.

وهكذا يمكن أن نفهم كيف تنشئ الولايات المتحدة قاعدة عسكرية فى شرقى سوريا (الرقة ــ دير الزور) وأن تتقدم القوات التركية داخل الأرض السورية لتحتل بعض الشمال (إدلب ومنبج والآن عفرين)، فى حين يقيم المعسكر الروسى فى قاعدتين على الشاطئ السورى وفق معاهدة تعاون لمدة أربعين عاما.
هذا من دون أن ننسى أن «القوات الحليفة» التى ترعاها واشنطن قد تقدمت إلى ما خلف دير الزور للسيطرة على آبار النفط والغاز فى سوريا.

«بلاد العرب أوطانى من الشام لبغداد»

لكن بلاد العرب تكاد تكون محتلة جميعا، ويشارك فى احتلالها الأمريكان إلى جانب الإسرائيليين، فى حين تقوم مناطق نفوذ واضحة لكل من إيران (فى المشرق) وبريطانيا وفرنسا (فى الخليج).. ولأمريكا فى كامل مساحة الوطن العربى.. بما فى ذلك ليبيا التى تتقاسمها «الدول جميعا».. مع الفوضى القاتلة!

«إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved