حكاية فرانكو وسنينه

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 21 فبراير 2019 - 10:12 ص بتوقيت القاهرة

فى عام 1936 قاد الجنرال الإسبانى فرانشيسكو فرانكو انقلابا عسكريا أطاح بالحكم المدنى وأطلق حربا أهلية فى إسبانيا استمرت نحو ثلاث سنوات قبل أن يستتب الأمر له ويفرض على الشعب الإسبانى حكما استبداديا، بدعوى إنقاذ الدولة من الانهيار والتفكك نتيجة الصراعات الديمقراطية وغير الديمقراطية أحيانا بين القوى السياسية فى البلاد.
وقد خدمت التطورات الدولية وصعود القوى الفاشية والنازية فى إيطاليا وألمانيا نظام فرانكو لتثبيت أركان حكمه، رغم انقلابه على نظام الحكم الديمقراطى، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتنهى الحصار الذى فرضته دول أوروبا الغربية على نظام فرانكو. ورغم إعلان فرانكو الحياد فى هذه الحرب فإنه كان منحازا من الناحية العملية إلى جانب الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية.
ولما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة المحور الفاشى النازى، وظهرت بوادر الحرب الباردة بين أمريكا والغرب الليبرالى من ناحية والاتحاد السوفيتى والشرق الشيوعى من ناحية سارع الكاوديو (زعيم الأمة) فرانكو بالانحياز إلى جانب المعسكر الغربى، رغم حكمه للبلاد بآليات النظم الشيوعية القمعية ليحصل على مساعدات اقتصادية كبيرة.
وفى الستينيات حقق الاقتصاد الإسبانى طفرة كبيرة ووصل معدل النمو إلى أكثر من 10% وهو ما جعل المراقبين يطلقون تعبير «المعجزة الإسبانية» على ما حققه نظام فرانكو على الصعيد الاقتصادى فى هذه الفترة.
ولكن ولأن الاستبداد لا يمكن أن يصنع نهضة دائمة ولا استقرارا حقيقيا، فقد انهارت هذه المعجزة الاقتصادية مع تفجر أول أزمة لأسواق البترول العالمية عام 1973 عندما قررت الدول العربية وقف تصدير البترول إلى الدول الغربية بسبب دعمها لإسرائيل.
استمر حكم فرانكو نحو 40 عاما كان يغير فيها الدستور ونظام الحكم كما يشاء، لدرجة أنه أعلن عودة الملكية إلى إسبانيا عام 1947 لكنه لم يعلن اسم الملك حتى عام 1969. كما ظل فرانكو حاكما للبلاد رغم وجود ملك ورئيس وزراء، حتى بعد أن تكاثرت عليه الأمراض فى السنوات الأخيرة من حياته، ولم يترك السلطة إلا عندما ترك الحياة فى نوفمبر 1975.
المفارقة أن الجنرال زعيم الأمة فرانشيسكو فرانكو أدرك قبل رحيله أنه لا أمل فى المستقبل بدون العودة إلى نظام الحكم الديمقراطى، لذلك أعلن اختيار الملك خوان كارلوس، ليكون خليفته بعد رحيله ويتولى إعادة الحياة الديمقراطية إلى البلاد عبر نظام الملكية الدستورية.
وقد دفعت إسبانيا ثمنا باهظا لسنوات حكم فرانكو الذى رفع شعار إنقاذ البلاد من الفوضويين والشيوعيين وعملاء الخارج، فقتل نحو 100 ألف معارض وسجن نحو 270 ألف آخرين وأجبر نحو 500 ألف مواطن على الفرار خارج البلاد، وأعلن الحرب على الفن والثقافة والإعلام بدعوى أنها تهدد تماسك المجتمع الإسبانى، وكان الشاعر والكاتب المسرحى العظيم فيديريكو جارثيا لوركا من أوائل ضحايا فرانكو عندما تم إعدامه رميا بالرصاص فى 18 أغسطس عام 1936 بتهمة «مناوأة نظام الحكم والخروج على آداب المجتمع».
وبعد 40 عاما من الحكم الاستبدادى تحت شعار الاستقرار وحماية الدولة من التفكك اضطر الشعب الإسبانى إلى بدء بناء نظامه الديمقراطى حتى يلحق بركاب التقدم الذى سبقته إليه دول أوروبا الغربية الأخرى التى فضلت الديمقراطية بصراعاتها ومشاكلها على الاستبداد باستقراره وكوارثه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved