هل سياسة التهدئة هي الحل؟

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 20 فبراير 2023 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حكومة اليمين الدينى المتشدد كما توصف عن حق جاءت حاملة لهدفين تغييرين أساسيين: أولا فى الداخل، كما وصفه البعض عبر محاولة تنفيذ انقلاب قانونى ضد السلطات القائمة وتحديدا القضاء من خلال منح الحكومة سيطرة كبيرة على القضاء، خصوصا فيما يتعلق باختيار القضاة، ووضع قيود بالمقابل على سلطة المحكمة العليا. كل ذلك يحصل فى ظل ازدياد الشرخ بين التيار الدينى المتشدد بأطرافه الحزبية المختلفة والذى يزداد انتشارا وقوة من جهة والتيار العلمانى بيمينه القومى المتشدد ويساره المتراجع بقوة، من جهة أخرى. ولا بد من التذكير أنه عندما يجرى الحديث عن مخاطر تراجع الديمقراطية فى إسرائيل، أو سقوط النظام الديمقراطى على أيادى اليمين الدينى المتشدد، فإنها فى حقيقة الأمر تتعلق قانونا وممارسة بشأن الديمقراطية لليهود فى إسرائيل وليس الآخرين أى «عرب إسرائيل». نظام يذكر بنظام التمييز العنصرى الذى كان قائما فى جنوب أفريقيا فى الماضى، أيا كانت «المساحيق التجميلية» التى يحاول أصدقاء إسرائيل وضعها على النظام القائم.
ثانى هذين الهدفين التغييرين قائم فى الخارج، فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وتحديدا فى الضفة الغربية والتى لم يتم استكمال تهويدها وهى جزء من «إسرائيل التاريخية الكبرى» المنوى استكمال تحقيقها منذ حرب ١٩٦٧، حسب السياسة الإسرائيلية أيا كانت العناوين التى يقدمها كل طرف إسرائيلى لوصف المناطق المحتلة. يظهر ذلك فى التوافق الإسرائيلى الكبير حول رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة فى الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية. وأكثر ما تذهب إليه «الأطراف المعتدلة» هو درجة «متقدمة» عن الآخرين تتعلق بمنح نوع من الحكم الذاتى للشعب الفلسطينى فى بعض هذه المناطق المحتلة فيما تبقى القدس الشرقية خارجها كون «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل». الجديد اليوم أن حكومة اليمين الدينى المتشدد لم تعد معنية باللجوء إلى مقاربة تقوم على القضم التدريجى للأراضى المحتلة، من خلال السيطرة على الأرض ومصادر المياه وتقسيم وتقطيع مناطق الضفة الغربية عبر سياسة استيطانية تدريجية وذلك تحت عنوان الحفاظ على الوضع القائم إلى أن يأتى الحل. الحل الذى يأتى بعد أن يتم إلغاء أى إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة عبر سياسات القضم والضم وتجفيف المنابع الضرورية للحياة بالنسبة للشعب الفلسطينى وبالتالى جعل إقامة الدولة الفلسطينية أمرا غير ممكن واقعيا وعمليا.
سياسة الحكومة الجديدة ناشطة وواضحة وعلنية فى إلغاء ونسف أسس قيام الدولة الفلسطينية. سياسة تعمل بشكل متسارع لإقامة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر مستفيدة من الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية القائمة: ضعف وتبعثر سياسى فلسطينى وأولويات إقليمية ضاغطة همشت القضية الفلسطينية وأخرجتها من لائحة الأولويات الإقليمية المؤثرة فى السياسة وفى الأمن. الاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة فى القدس والإعلان عن تسريع عملية شرعنة مستوطنات لم تمنح من قبل الشرعية القانونية من طرف السلطات الإسرائيلية فى إطار سياسة التهدئة والحفاظ على الوضع القائم والقضم التدرجى كما أشرنا سابقا، جاءت لتعكس السياسة الجديدة.
وزير الأمن القومى، إيتمار بن غفير، يؤكد بشكل متكرر أن إسرائيل ستعمل على بناء المزيد من المستوطنات فى الضفة الغربية وعلى تشييد منازل فى مستوطنات قائمة. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن هنالك نحو ١٠٠ ألف مستوطن مسلح فى الضفة الغربية وهو ما يؤشر إلى السياسة الإسرائيلية الناشطة بكل الوسائل لإفراغ الضفة من سكانها أو لجعلهم فى أوضاع جد صعبة تدفع للرحيل أو الخضوع الكلى.
الحراك أو تحديدا المواقف الدولية اليوم خاصة الموقف الأمريكى يدعو أو يعمل للتهدئة وللعودة للوضع الذى كان قائما فى السابق والإعلان عن التمسك بحل الدولتين، أما ما يجرى على الأرض فينسف أسس هذا الحل كليا. ويقول السفير الأمريكى السابق والخبير فى شئون الشرق الأوسط إدوارد جيرجيان إن الولايات المتحدة تنشط لإدارة الأزمة وليس لحلها. زيارة كل من وزير الخارجية الأمريكى ومستشار الأمن القومى ومدير المخابرات المركزية إلى إسرائيل جاءت تحت عنوان العمل على التهدئة من جهة والتركيز على ملف مواجهة إيران من جهة أخرى. لكن ازدياد وتصاعد رد الفعل الشعبى الفلسطينى وانتشاره، حتى ضمن إسرائيل، فى مقاومة السياسة الإسرائيلية الجديدة يهيئ لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة. انتفاضة ستساهم دون شك بإعادة وضع القضية الفلسطينية على جدول الأولويات الإقليمية، وتؤدى إلى خلط الأوراق فى المنطقة التى تعيش العديد من التوترات والحروب المختلفة.
«اجتماع القدس» فى جامعة الدول العربية كان ضروريا لبلورة موقف من هذه التطورات، ولكنه بالطبع غير كاف إذا لم يتبعه تحرك عربى فاعل على الصعيد الدولى. تحرك بدأ بلقاء أمين عام جامعة الدول العربية ووزير خارجية المملكة العربية السعودية مع المفوض الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل غداة اجتماع القاهرة. لكن هذه الخطوة يفترض أن تندرج فى مبادرة عربية تجاه القوى الدولية المؤثرة لإعادة إحياء عملية السلام ولو بشكل تدرجى وعدم الاكتفاء بسياسة تدفع للتهدئة واحتواء التصعيد والعودة إلى الوضع الذى كان قائما والذى هو لمصلحة الاحتلال وتكريسه كليا.
فالاهتمام الدولى الكلى بالأزمة الأوكرانية أو الحريق الأوكرانى رغم تداعياته الدولية الخطيرة لا يعنى أنه يمكن، عبر العودة إلى سياسة المراهم والوعود والمساعدات الاقتصادية وغيرها، منع أو تأجيل حصول «حريق فلسطينى» تصل شراراته إلى المنطقة بأشكال مختلفة، طالما أن السياسة الإسرائيلية مستمرة فى صب الزيت على النار. خلاصة الأمر أنه غنى عن القول أن المطلوب تحرك عربى أساسا وبالتالى دولى فاعل وهادف لإعادة إحياء عملية السلام، المعروفة أسسها وقواعدها، ولو بشكل تدرجى، أيا كانت العراقيل الإسرائيلية أمامها. فهل سنشهد ذلك؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved