جوائز النقاد تنتصر للإبداع

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الخميس 20 مارس 2014 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

غالبا ما تأتى جوائز جمعيات النقاد السينمائية مغايرة لما تمنحه لجان التحكيم الرسمية للمهرجانات، فهى تنتصر فقط لروح الفن والابداع دون أى حسابات أو أهواء أخرى.

فجائزة النقاد بمثابة إنصاف للعمل وتعبير عن إعجاب الجمهور العاشق للسينما الجميلة بمفرداتها، كما أنها عادة ما تطمئن المشاهد على إحساسه السينمائى، فتتطابق مع توقعاته فى كثير من الأحيان، على غير عادة جوائز المهرجانات، التى لا تخلو من بعض الحسابات وانحيازات أعضاء لجان التحكيم.

فكم سعدت باختيار جمعية نقاد السينما المصرية عبر لجنتها الخاصة برئاسة الناقد مجدى الطيب الفيلم الامريكى «البؤساء»، والمصرى «فيللا 69» كأفضل فيلمين لعام 2013، فالعملان حققا الدهشة الفنية للمتلقى بانتمائهما لسينما شديدة الانسانية والحرفية المتقنة والمبهرة بداية من الأداء والسيناريو والاخراج والاضاءة.

عندما شاهدت فيلم «البؤساء» وقفت امام جان فالجان، ذلك الرجل الذى اختلس رغيف عيش واحدا من أجل إطعام طفلة وإنقاذها من الجوع فكان جزاؤه الحبس 19 عاما.. ووجدت عشرات الشباب الذين ولدوا ليؤمنوا بقيمة الحرية لبلدهم.

العمل السينمائى بحق دراما إنسانية مبهرة، الأسلوب الغنائى الذى اتخذه مخرجه توم هوبر كحوار له ملهم كبير لأن تدخل أشد مفردات الحياة قسوة إلى قلبك وعقلك علك تنتفض أو حتى تفكر. كشف الحوار بين السجين فالجان والمفتش جافرت عن ظلم السلطة للشعب، وكيف يمكن للحرية يوما أن تنتصر على قهر.. رأينا كيف يعترف رجل سلطة بخطئه فى حق مواطن فى عيش وحرية وعدالة اجتماعية، مشهد النهاية مؤثر وقوى فى شكله الدرامى عندما أيقن المفتش أنه قد ظلم، ولمح فى عيون سجينه نظرة شفقة حتى وهو ينقذه من أيدى شباب الثوار.

رغم أن قصة البؤساء دارت فى القرن الـ19 إلا أنها مازالت تشكل منهلا أساسيا للعديد من الأعمال السينمائية، وهنا يأتى المخرج العبقرى توم هوبر ليقدمها فى ملحمة موسيقية، وخلق معها أجواء مختلفة وبحرفية شديدة، وتبدو امامك وكأنك تشاهد أبطالا فى ساحة مسرحية يجسدون واقعا أليما، وحلما عظيما، وليس أمام شاشة عرض سينمائية.

الواقع تمثل فى أكثر من مشهد، منها الأم الشابة التى اضطرت للعمل بالدعارة وتحلق شعرها من أجل إحضار الدواء لطفلتها، وكيف اغتصبها مجتمع بأكمله، لتوصى فالجان برعاية ابنتها قبل أن تموت، ونضال شباب فرنسا ضد السلطة الغاشمة وهم يشعرون أنهم قلة

البراعة الأهم للمخرج تكمن فى دفع ممثلين للغناء مباشرة أمام الكاميرا، وكانت أصواتهم تشعرك بالحزن والشجن والغضب لما يتعرضون له من ظلم، وتشعر أيضا بأنك تشارك فى انتفاضتهم وثورتهم التى جاءت عبر سيناريو شديد الذكاء وتصاعد درامى رائع الحبكة، تشعر أنك واحد منهم تغنى معهم لحظات اليأس والأمل.

كان اداء النجمين هيوجاكمان (جان فالجان) وراسل كرو (المفتش جافرت) قويا ورسما بحق المطاردة بين الحق والباطل وبين العدل والظلم.. كما استطاعت الممثلة أنا هاثاواى بنجاحها فى تقديم شخصية فانتين رغم صغر الدور تجسيد صورة مبهرة للأم وتضحيتها الكبرى.

وفى التجربة المصرية فيلم «فيللا 69» للمخرجة آيتن أمين جاءت أكثر جاذبية وألفة مع مشاهديها رغم غرابة القصة وفلسفة مضمونها الحياتى، بفضل أداء متميز لشخصيته الرئيسية «حسين» التى جسدها بنضج خالد أبوالنجا فى مغامرة تحسب له وهو يؤدى دور رجل تجاوز الخمسينات من عمره، يعيش عالمه الخاص الملىء بالتوترات والهواجس والنظام الصارم داخل فيللته التى لم يخرج منها على مدار ثلاث سنوات مع مجموعة من الأصدقاء الذين يشكلون مفردات تعامله اليومى كالممرضة، والطباخ والمصورة الفوتوغرافية ،وفى مرحلة أخرى تقتحم حياته أخته التى جسدتها لبلبة وابنها الشاب المراهق. ومن الوهلة الأولى للفيلم تكتشف الحبكة بوقوع شخصية حسين فى فخ المرض الذى تظهر ملامحه عليه واختيار الإقامة فى مكان واحد قبل الرحيل الذى لم يأت. الفيلم لم يكتف بمتابعة تفاصيل الحياة اليومية لحسين المهندس المعمارى وصحبته التى اتسعت دائرتها فيما بعد يأكلون ويشربون ويدخنون معا ويتشاجرون، لكنه امتد لصراع جيلين سواء فى أسلوب المعيشة أو النظرة للحياة وكيفية إعاشتها حتى فى اختلاف الأذواق فى سماع الموسيقى والأغنيات والشعر ونوع الحشيش، بالإضافة إلى الأحلام والطموحات.. كل ذلك كان له مكان داخل السياق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved