بوليتيكو وتغيير صحافة واشنطن

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 20 مارس 2015 - 10:30 ص بتوقيت القاهرة

تحولت صحيفة بوليتيكو Politico من مجرد نافذة تسلط الضوء على الشئون الداخلية الأمريكية إلى آلية فريدة لتغيير نمط الصحافة فى واشنطن. فمنذ بدايتها فى يناير 2007 متواكبة مع المراحل الأولية لسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008، جاء المقال الافتتاحى لجون هاريس رئيس التحرير وجيم فانديهى المحرر التنفيذى، كاشفا عن سياسة تلك المؤسسة الصحفية المتخصصة فى تغطية أخبار الكونجرس والبيت الأبيض. شكك الكثيرون فى مستقبل بوليتيكو وقدرتها على الاستمرار فى ظل ما يشهده عالم الصحافة المكتوبة من تراجع لا يتوقف، إلا أن بوليتيكو خرجت عن النص وتحدت النمط الصحفى المعتاد ونجحت فى البقاء والنجاح والصعود لتفرض نفسها كحقيقة فى واقع واشنطن الصحافى والسياسى. قدم روبرت ألبرتون رئيس مجلس إدارة شركة ألبرتون للاتصالات وناشر الصحيفة، تصورا أوليا للمستقبل يتضمن توقعه لخسائر مالية فى بداية المشروع. ولم يكن ألبرتون متفائلاً بإمكانية استمرار بوليتيكو لكل هذه السنوات.

•••

كانت بداية بوليتيكو بمثابة تحد للوضع القائم مع انحسار الصحافة المطبوعة وقيام مؤسساتها بتقليص أعداد الصحفيين وتخفيض النفقات. اختارت بوليتيكو أن تكون ساحة للنقاش ومناقشة الشئون السياسية المرتبطة بالكونجرس والبيت الأبيض مع إتاحتها بالمجان.
ولكن بمرور الوقت بدأت جماعات الضغط وشركات اللوبى فى نشر إعلانات على صفحاتها لإيصال مطالبهم للساسة الأمريكيين، وساعدت التكلفة المنخفضة الملائمة لنشر الإعلانات على صفحاتها بالمقارنة بالصحف الأكثر شهرة مثل نيويورك تايمز أو واشنطن بوست. كذلك بدأت الشركات الهامة فى واشنطن فى تفضيل نشر إعلاناتها على صفحات بوليتيكو بالنظر إلى توجهها بشكل حصرى إلى قاطنى مدينة واشنطن والعاملين بها على الرغم من ضيق دائرة انتشارها بالمقارنة بواشنطن بوست على سبيل المثال. وفى ظل الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على الصحافة الأمريكية أضحت الخسائر المالية الناجمة عن إتاحة الأخبار عبر مواقع الصحف الإلكترونية بالمجان عبئاً لا قبل بغالبية المؤسسات الصحفية الأمريكية بتحمله بما دفع بعضها للكف عن إصدار النسخة المطبوعة من الصحيفة، فى حين اتجه البعض الآخر لتصفية أعماله بشكل نهائى، فإن بوليتيكو وعلى النقيض ظلت تتيح طبعتها الإلكترونية بالمجان على شبكة الإنترنت وتوزع نحو 40 ألف نسخة مطبوعة مجانية فى واشنطن وعدد قليل فى مدينة نيويورك (صغيرة الحجم يبلغ حجمها نصف مساحة الصحف التقليدية).

•••

تعاقدت بوليتيكو مع صحفيين شباب لإنشاء مؤسستهما الصحفية نظرا لانخفاض أجورهم، كما اتبع كل من هاريس وفانديهى نهجا يقوم على التعاقد مع عدد محدود من الصحفيين المتميزين والتوسع فى الاعتماد على الإنترنت لتوسيع قاعدة قراء الصحيفة. فضلاً عن إمداد جميع الصحفيين بكاميرات فيديو كى تكون بوليتيكو فى مقدمة المؤسسات الصحفية المتخصصة فى الشئون السياسية. ناهيك عن التركيز على المشهد السياسى فى واشنطن فقط. ومن منظور هاريس وفانديهى كان ذلك كفيلاً بدعم قدرة بوليتيكو على منافسة واشنطن بوست ونيويورك تايمز.
وانعكس تميز أداء الصحيفة منذ البداية على النتائج التى حققتها لا سيما الشراكة المبكرة مع شبكة سى بى إس الإخبارية، والتى مكنت مراسلو بوليتيكو من الظهور فى برامجها بصورة منتظمة، وبالتحديد البرامج السياسية مثل برنامج واجه الأمة Face the Nation، وهو ما وسع من دائرة انتشارها. وتوافق ذلك مع نجاح الصحفيين فى الحصول على أخبار مصورة يتم بثها على موقع الصحفية بصورة دائمة وتنوعت تلك الأخبار ما بين خطابات الرئيس باراك أوباما واللقاءات الصحفية مع الساسة الأمريكيين، والأجانب، وهو ما أضفى على الموقع حيوية غير مسبوقة، حيث يتردد على الموقع ما يقارب نحو 8 ملايين زائر شهرياً.

•••

تمكنت بوليتيكو من التغلب على عقبات الصحافة المكتوبة لأن القائمين على إدارتها أدركوا بصورة واضحة أن الاتجاهات الحديثة فى الإعلام تميل إلى الاعتماد بصورة متزايدة على الانترنت. لم يقم مالكو بوليتيكو بإلغاء النسخة المطبوعة للحفاظ على انتشار الصحيفة فى مدينة واشنطن ومن ثم الحفاظ على حصتها الإعلانية لاسيما من جانب جماعات الضغط الهادفة فى التأثير على مشرعى القوانين. ويظل الموقع الإلكترونى محور الإبداع الحقيقى لأن النسخة المطبوعة تعتمد على تغطية الأحداث من خلال الكتابة الصحفية فى حدود مساحة الصفحات والتى تصبح محدودة مع تصاعد عدد الإعلانات بالصحيفة، ولا يمكن من ثم تضمين أكثر من مقال حول موضوع واحد. على الجانب الآخر فإن الإنترنت يمثل مساحة لا تنتهى وإمكانية التنقل عبر الروابط والصفحات تجعل تلخيص الأخبار وترتيبها حسب أهميتها غير ذى جدوى. كما يرتفع عائد الإعلانات على الإنترنت لأنه يتحدد بعدد المشاهدة الإعلانية التى يمكن لصفحة إنترنت واحدة بثها. ولذا تنشر بوليتيكو والصحف الإلكترونية المماثلة لها عدد من المقالات حول كل موضوع لزيادة احتمالية تنقل القارئ بين صفحة وأخرى على الموقع ومن ثم زيادة ربحها الإعلانى .

•••

وبعدما بدأت بوليتيكو بصفحات رأى لا يعيرها الكثيرون الاهتمام، أصبحت اليوم صفحات الرأى بها وسيلة مضمونة لإيصال رسالتك أو وجهه نظرك لأعضاء الكونجرس وفريق العمل المساعد للرئيس الأمريكى.

وفى النهاية تبقى تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحدث الأهم صحفيا داخل، ورغم أنه ما زال يفصلنا عن انتخابات 2016 ما يزيد عن عام ونصف، إلا أن الإعلام الأمريكى يستعد لها بجدية منذ الآن. وقامت بوليتيكو من جانبها بتعيين عشرة صحفيين جدد، وهو رقم كبير للغاية لصحيفة كل العاملين فيها لا يتعدون 180 شخصا أقل من نصفهم ليسوا صحفيين.


اقتباس
بعدما بدأت بوليتيكو بصفحات رأى لا يعيرها الكثيرون الاهتمام، أصبحت اليوم صفحات الرأى بها وسيلة مضمونة لإيصال رسالتك أو وجهه نظرك لأعضاء الكونجرس وفريق العمل المساعد للرئيس الأمريكى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved