بعد السكوت «الحلم البعيد».. نماذج من واقع مؤلم يهزمها الانكسار

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 20 مارس 2019 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

المهرجانات السينمائية منصة مهمة للتجارب السينمائية الشابة التى تسعى للاختلاف والتجريب، والتعبير عن قضاياهم برؤى أكثر ذاتية، ويأتى فيلم «الحلم البعيد» أوdream away الذى ينافس فى مهرجان الاقصر للسينما الإفريقية ليوثق سينمائيا لحالة اجتماعية لمجموعة من الشباب يبحثون عن أنفسهم وسط عالم أصابته المتغيرات الاقتصادية وكذلك تأثيرات العمليات الارهابية، حيث يقدم المخرجان عمارة ويوهانا دومكى، حياة سبعة شباب من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة تماما عن بعضها البعض، تركوا قُراهم ومدنهم التى تعانى من أجل البحث عن فرصة كريمة فى مدينة شرم الشيخ رمز الحرية والكسب السريع، الجميع يأمل فى العثور على الشهرة، المال، الراحة، الحب أو حتى مجرد الهرب من الفشل وقصص الماضى الأليم.
السيناريو الذى مزج بين الواقعية والفانتازيا بدت رحلة الكشف عن شخصياته بصورة أكثر اتساعا وهم يعملون فى داخل قرية سياحية تعانى من ضعف السياحة والحالة الاقتصادية، لتبدو فارغة إلا من العاملين.
ثم نقترب من عالم كل شخصية منها عاملة النظافة التى نراها تستلقى على سرير وتشاهد التليفزيون فى أحد أجنحة الفندق بدلا من تنظيفه، وقد عرض عليها مسن إيطالى الزواج ولم تستطع أن تأخذ قرارا، حيث تحدثت زميلاتها بأنه ربما يموت حتى قبل ليلة الزفاف، ونشاهد أيضا شابا يعمل على الـ DJ الذى يجد الساحة فارغة إلا من الطاولات كل ليلة لمشغل الموسيقى لنفسه، وثالثا يحلم بأن يكون ممثلا ولم يجد الفرصة.. ويسرد العمل أيضا صراعهم داخل القرية ومحاولتهم التكيف مع الأفكار الجديدة وبين تقاليد المجتمع الأم الذين نشأوا به، وهى نقطة جوهرية فى الحبكة والايقاع وبناء العمل الذى كشف عن دلالات اجتماعية للمشاكل المعاصرة والصراع النفسى، ونجح المخرجان فى تصوير الجو العام للفيلم ورسالته، والذى يسيطر الفراغ والتوهان، والتعبير عن مخزون تلك الشخصيات من أمل ويأس وكان الحوار طازجا بجمل قريبة من وجدان المتلقى، والاداء طبيعى وسلس لمجموعة من الوجوه الجديدة التى بدا بعضها كأبطال سينما حقيقيين.
لجوء الفيلم إلى الخيال أو بمعنى آخر السيريالية جعل الخطوط تتشابك بين ما هو واقعى وغير واقعى، وخاصة فى عدة مشاهد نرى فيها شخصا غير مرئى يرتدى زى قرد يطلق على نفسه monkey يستقل سيارة ــ نصف نقل ــ يجرى وراءه الأبطال واحدا تلو الآخر ويسألهم أسئلة وجودية؛ عن ماذا يريدون، وبماذا يحلمون، لماذا جاءوا هنا، تبدو تلك الأسئلة فى ظاهرها بسيطة ولكن فى باطنها تحوى عمقا يساعد على فهم سيكولوجية أبطال القصة ويوضح الهوة بين ما تمنوه قبل وصولهم لشرم الشيخ واصطدامهم بما وجدوه، وما يرغبونه فى قادم الايام.
وفى هذا الاطار أيضا نرى فى أحد المشاهد واحدا من الشباب الذى يعمل كعامل مساج يدلك فتاة أجنبية بعدما جهز إضاءة السرير وسألها إذا كانت تشعر بالراحة، من ثمة تتحول تلك الفتاة إلى دمية فى لقطة ملهمة وسريعة، بينما يكمل البطل عمله بكل أريحية فيستمر بالتدليك ويكمل حديثه معها وسط دهشتنا كمتلقى، وكان يصر على السير وراء الحلم الذى بات سرابا.
قد يبدو الفيلم أنه افتقد إلى حد ما رصد خلفيات تلك الشخصيات وحكاياتهم وظروفهم السابقة وقصصهم الانسانية، لكنه مرر بذكاء الواقع دون اللجوء إلى الماضى، وترك المشاهد يتصور ماذا كانت الحالة، وفى أحد المشاهد حاول المخرجان إبراز ما تحت السطح، عندما ركبت إحدى الشخصيات التاكسى، وقد سألها السائق أسئلة خاصة عن ماذا تعمل وأين تسكن، بينما يظهر من خلال نافذة السيارة عدة شباب يحدقون بها كأنهم ذئابٌ جوعى، فقط لأنها تدخن وهى مرتدية ملابس قصيرة، وهو أيضا مؤشر على الازدواجية فى مجتمع منفتح.
التجربة مهمة ومختلفة وتعبر عن فكر جيل من السينمائيين لم يجد ضالته سوى جمهور المهرجانات، وقد شهد الفيلم عرضه العالمى الأول بالدورة الـ53 من مهرجان كارلوفى فارى السينمائى الدولى بالتشيك، كما نافس فى المسابقة الرسمية بـمهرجان الجونة فى عرضه الأول بالعالم العربى ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وشارك فى مهرجان لندن السينمائى، بالإضافة لمهرجانات دولية أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved