الوزراء «غلابة قوى»!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 20 أبريل 2018 - 11:07 م بتوقيت القاهرة

لم يكن تمرير مجلس النواب، الأسبوع الماضى، لقوانين زيادة رواتب نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، والوزراء والمحافظين والعاملين بالسلك الدبلوماسى، مثيرا للغضب الشعبى فقط، لكنه أثار أيضا دهشة الكثيرين، جراء الدفاع المرير لبعض «نواب الشعب» عن تلك القوانين، ومحاولتهم الإيحاء بأن «الوزراء غلابة قوى»، إلى درجة أننا تصورنا أنهم سوف يطلقون حملة «صبح على الوزراء بجنيه»!.

قبل التعرض لهذه القوانين، ومناقشة مدى ملاءمتها للظرف السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى تمر به البلاد، ينبغى علينا التذكير بأن الدين العام المحلى ارتفع فى نهاية العام المالى الماضى (يونيو 2017)، ليبلغ 3.160 تريليون جنيه «ما يمثل 91.1% من الناتج المحلى الإجمالى»، منه 85% مستحق على الحكومة، و7% على الهيئات العامة الاقتصادية، و8% على بنك الاستثمار القومى، وفقا لبيانات البنك المركزى المصرى الأخيرة.

كما ارتفع الدين الخارجى لمصر، ليصل إلى 82.9 مليار دولار فى نهاية ديسمبر من العام الماضى، وفقا لنشرة طرح السندات المصرية المقومة باليورو الأسبوع الماضى.

وبحسب مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد الذى يبدأ فى أول يوليو المقبل، فإن إجمالى فوائد الديون التى تستهدفها الحكومة فى موازنة 2018 ــ 2019 تبلغ 541.305 مليار جنيه، مقابل 437.908 مليار متوقعة فى 2017 ــ 2018.

كما يشير مشروع الموازنة الجديدة إلى استهداف إيرادات ضريبية قياسية بقيمة 766 مليار جنيه (43.5 مليار دولار)، مقابل 604 مليارات جنيه (36.5 مليار دولار) فى الموازنة الحالية، وتمثل حصيلة الضرائب الإجمالية المستهدفة ما يقرب من 70% من الإيرادات فى الموازنة المقبلة.

وتستهدف الحكومة أيضا ــ بحسب مشروع الموازنة الذى قدم للبرلمان فى نهاية مارس الماضى ــ خفض دعم المواد البترولية، ليبلغ فى مشروع موازنة السنة المالية المقبلة 89.075 مليار جنيه، مقابل 110 ــ 115 مليار متوقعة فى 2017 ــ 2018. ويبلغ الدعم المستهدف للكهرباء نحو 16 مليار جنيه مقابل 30 مليار متوقعة فى 2017 ــ 2018.

كما أظهرت بيانات الجهاز المركزى المصرى للتعبئة العامة والإحصاء، أن التضخم السنوى واصل تراجعه فى شهر مارس الماضى، وهبط إلى 13.1% مقابل 14.3%. ولكن هذا المعدل الشهرى ارتفع بنسبة 1%، والسبب يرجع إلى زيادة أسعار الخضروات واللحوم والدواجن والاسماك والرحلات السياحية.

هذه الأرقام الرسمية تضعنا أمام حقائق واضحة، أهمها ارتفاع الديون المحلية والخارجية وبالتالى فوائدها، واتجاه الحكومة إلى التوسع فى زيادة الضرائب، وخفض دعم المحروقات ورفع أسعار الكهرباء، خصوصا قبل تسلم الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولى، وهو الأمر الذى سيرفع أسعار جميع السلع والخدمات، التى يتحمل المواطن البسيط دفع فواتيرها الباهظة والمؤلمة.

إزاء وضع معقد مثل هذا.. هل كان من اللائق إقرار مجلس النواب، زيادة رواتب الوزراء والمحافظين وأعضاء السلك الدبلوماسى «وذلك مراعاة للاعتبارات الاجتماعية وبما يتفق مع طبيعة عمل وأعباء من يشغل هذه الوظائف»، حسب ما أورد الموقع الرسمى للبرلمان؟.

بالتأكيد لا.. فهذه القوانين تضرب فى مقتل مصداقية مجلس النواب، وتفقده ثقة غالبية المواطنين، بعدما انحاز للفئات الأفضل حالا عن بقية أفراد المجتمع الذين يعانون بالفعل قسوة الأوضاع المعيشية، كما أن البرلمان ــ بهذا التصرف ــ يحمل النظام السياسى فواتير هو فى غنى عنها، ونسى أن الرئيس السيسى نفسه عندما تولى الحكم، أقدم على التخلى عن نصف راتبه، فى إشارة منه إلى ضرورة تحمل الجميع للظروف الاقتصادية الصعبة.

أيضا كيف يمكن للمواطن البسيط، تصديق أن الحكومة تشعر بمعاناته، وهى من ألحت ــ كما ذكر بعض النواب ــ على ضرورة تمرير القانون، وفى الوقت نفسه لجأت إلى محكمة غير مختصة، هى محكمة الأمور المستعجلة، لوقف تنفيذ الحكم الصادر من القضاء الإدارى، بإلزامها اضافة نسبة الـ80% من قيمة آخر 5 علاوات إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات؟.

علينا ــ حكومة وبرلمانا وشعبا ــ الاقتناع بأننا «دولة فى أزمة حقيقية»، ولكى تخرج منها، فلابد من توزيع الأحمال بعدالة على الجميع، واتباع سياسات اقتصادية رشيدة واتخاذ اجراءات تقشف حقيقة لمواجهتها، ومن دون ذلك فإن السفينة معرضة للغرق، وهو ما لا نتمناه أبدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved