مصر وأسئلة المصير


شريف خليفة

آخر تحديث: الجمعة 20 مايو 2011 - 10:21 ص بتوقيت القاهرة

عندما تقف الأمم عند مفترق الطرق تلوح أمامها أسئلة المصير حتمية وملحة. وهى حتمية لأن الأعين الحائرة تمتد على تلك التقاطعات محاولة الاهتداء إلى درب تطرقه يؤدى إلى بلوغ غايتها المنشودة.

وهى ملحة لأن تلك العيون تدرك أن مآلات الطريق تبدو قريبة المنال حال اتخاذ أولى الخطوات على الدرب المختار دون تأخير. وبمقدار ما تحاول الأمة اللحاق بأهداب حلم يلوح فى الأفق تأتى حتمية أن تجد إجابتها وبإلحاح. ويأتى الرد على تلك الأسئلة أيسر للمتمرسين على إبداء الرأى.

بينما تبدو المهمة أعقد على من استدعته الأقدار للتو لإدارة شئونه بنفسه. ولتلك المهمة فى مصر الثورة أهمية بالغة. إذ أتيحت للمصريين الفرصة للرد على أسئلة كانت الإجابات عليها تملى عليهم. وبينما تتهيأ مصر لتلك المهمة، يموج المشهد بما يعيق الأمة عن أن تجد إجابات تعينها على بلوغ منالها:

●●●

أولا: فى اللحظات الضبابية التى تتميز بعدم الوضوح، تولى الأمة وجهها نحو النخب والرموز الوطنية كملاذ للاستئناس برأيهم والارتكان إلى رؤاهم. فقد وجد المصريون أنفسهم فجأة إزاء أسئلة مطروحة فى أمور مصيرية لم تستدع الأمة من قبل لإبداء الرأى فيها أو اتخاذ موقف منها. وتأتى النخب فى تلك الأوقات المفصلية كبوصلة هادية فى أتون العواصف للوصول إلى مرفأ يتفيأ الكل ظلاله. ولكن النخبة لم تضطر من قبل إلى تعبئة الرأى العام فى مجتمع لم يشارك فى إدارة شئون البلاد.

كما لم تعتد النخب التحاور مع مجتمع لم يتح له من قبل أن يشارك فى اتخاذ القرار أو مناقشته. وقد محا ذلك التباعد من ذاكرة النخبة خرائط المجتمع ومكونات وعيه وهويته، حتى باتت عاجزة عن التخاطب معه. وبالتالى تباعدت النخبة عن كتلة تصويتية كبيرة. وهو ما بدا واضحا وجليا فى الاستفتاء على المواد الدستورية.

وقد يؤدى هذا الانفكاك بين عقل الأمة وجسدها إلى أن يفقد الناس المنارة الهادية فى تلك الأوقات الفارقة.

●●●

ثانيا: إن الفراغ الناشئ عن الإطاحة بنظام يحتاج دائما لمن يملؤه. ويبدو أن البعض ارتأى أن إقصاء المناوئين وإزاحة الآخرين يعد الطريق الأضمن لكى لا يملأوا هذا الفراغ. حتى إن مفردات التخويف والتحذير باتت مكونا أساسيا فى متن الخطاب الساعى لاستمالة الناس.

وذلك بديلا عن طرح رؤى مختلفة تتيح للأمة الاختيار بينها. وبالتالى لا يكون الاختيار مبنيا على قناعة فى طرف ولكن على خشية من طرف آخر. فالبعض اتهم التيارات الإسلامية بعدم إيمانهم المبدئى بالديمقراطية، وتمسكهم بما يتنافى مع مفهوم الدولة المدنية، واختزال رؤاهم فى تطبيق الحدود. والبعض اتهم تيارات أخرى بالعلمانية والبعد عن صحيح الدين.

وباتت تلك حالة استقطاب حادة بدت كأنها تقسم الأمة إلى شطرين. وذلك بديلا عن استيعاب الكل على أساس أن لكل رؤيته فى النهوض بالوطن.

●●●

ثالثا: تأتى الديمقراطية لكى تتيح للمواقف والرؤى المتضاربة مجالا للسجال فى حلبة السياسة. بحيث تنشأ الأحزاب للدفاع والذود عن مصالح فئة بذاتها أو للتعبير عن قيم مجموعة بعينها.

وتتبلور قوة الأحزاب بمقدار قربها من نبض الشارع تعبيرا عن حقائق مستقرة على الأرض وعن قيم مستقاة من ضمير الأمة. ويموج المشهد فى مصر بحراك وحيوية دليلا على رغبة عارمة فى المشاركة. فالكل بدا متهيئا ومتأهبا لإنشاء حزب للمنافسة فى الاستحقاقات القادمة.

وقد عانت التيارات السياسية أمدا من عدم القدرة على توسيع رقعة قاعدتها الجماهيرية. وكانت حجتها المتداولة أن النظام البائد لم يتح المجال لتلك التيارات للتواصل مع الناس ولتقديم برامجها للجماهير. بيد أن قراءة أولية لبرامج الأحزاب توضح أنها تعبر عن مبادئ عامة بدلا من أطروحات محددة نابعة من خصائص تجاربنا ومستلهمة لظروفنا.

وبينما تبدو الفرصة سانحة للتواصل المنشود، فإنه طالما استمرت تلك التيارات غير ممثلة لمصالح قائمة أو لقيم مستقرة فإنها سوف تبقى غير قادرة على استمالة المصوتين أو توسيع دائرة مريديها.

●●●

رابعا: تأتى معضلة العلاقة بين الدين والدولة فى خضم الجدل الدائر حول الدولة المدنية والدولة الدينية.

وتلك معارك خاضتها أمم أخرى تخضبت أوراق تاريخهم بدماء ضحاياها. فكان الانعتاق من تدخل رجال الدين فى شئون الدولة وإدارتها بداية للانطلاق لتلك المجتمعات. وبات الانفصام بين الدين والدولة لديهم تأكيدا على تلك الروح التى خرجت من حطام المعركة.

بينما لم تمر أمتنا بمثل تلك الصراعات. وبالتالى يأتى استدعاؤها بمثابة استعارة لصراعات الآخرين. فمن ناحية، يتهم البعض التيارات الإسلامية بالتوظيف السياسى للدين إيذانا بتباشير دولة دينية.

وذلك دون وعى منهم بانعدام الصلة بين مفهوم الدولة فى الإسلام ونماذج الدولة الدينية فى تجارب الآخرين. ومن ناحية أخرى، لا تألو بعض التيارات جهدا فى إثارة الهواجس والجدل كلما سعت لأن تمرر رؤاها وكأنها وحدها المتسقة مع مبادئ الدين.

وذلك دون إدراك منها بأن السياسة فى الإسلام اجتهاد يسعى لتحقيق المقاصد الإلهية. وأى اجتهاد هو جهد إنسانى يستلهم مضمون الرسالة دون ادعاء احتكار تفسيرها.

●●●


أخيرا: باغتت الثورة البعض وأخذتهم على حين غرة. ويبدو أن القوى التى لم تستعد لها أو تعد لها إرتأت أن السبيل الأمثل، لضيق الوقت حتى الاستحقاقات القادمة، هو الاستمرار فى ممارسات فترة لم يتوقع أحدهم فيها أن يتولى المسئولية أو أن يكون فى موقع اتخاذ القرار.

وفى تلك الفترات السابقة لم يعن أحدهم بالاستعداد لأن يدعى لوضع برامجه قيد التطبيق، حيث إن تداول السلطة لم يكن واردا.

فاكتفى الكل بانتقاد الأوضاع دون العمل على صياغة البدائل. ويتبدى استمرار الإصرار على تلك الممارسات فى تشابه برامج المرشحين للرئاسة. بحيث لم يبق إلا أن نميز بينهم على أساس شخصى وليس من منطلق تصوراتهم ومبادئهم.

فالمؤيدون لمرشح يؤكدون على تاريخه النضالى أو خبرته العريقة والمعارضون يركزون على تخاذله إزاء النظام البائد أو انعدام الكاريزما. كما تظهر كذلك فى اعتماد بعض التيارات على الشعارات التى تستميل المشاعر الوطنية وتغازل العواطف الدينية بديلا عن برامج واضحة ومحددة.

وقد تساعد الكاريزما أو الشعارات البعض على تحقيق النجاح فى عمليات الاقتراع القادمة. ولكن على هؤلاء أن يعوا أنهم سوف يجدون أنفسهم فى مواجهة الآمال العريضة والتطلعات المصاحبة للتغيرات الكبرى. تلك التى لن يحققها شعار أو تنجزها إدعاءات الزعامة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved