(سيناء ــ إيلات)... كارثة فى انتظار الرئيس

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 20 مايو 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

«نجح أحد أعضاء جماعة راديكالية مصرية فى إطلاق صاروخ مهرب من ليبيا على مدينة إيلات الإسرائيلية من داخل سيناء بالقرب من مدينة طابا، ونتج عن هذه العملية مقتل عشرات الإسرائيليين».

 

يمثل هذا أحد السيناريوهات التى تزعج الكثيرين فى الخارج، وخصوصا فى واشنطن، إلا أنها وغيرها من السيناريوهات الأخرى، لا تجد الالتفات المناسب من النخبة المصرية، ولا من المرشحين الرئاسيين، ولا من فرق عملهم.

 

وفى الوقت الذى يحسب الآخرون كل البدائل وطرق التعامل مع مثل هذه الأزمات، لا نجد أصحاب الشأن هنا لديهم أدنى قلق من مثل هذه الكوارث، وبدلا من ذلك اختاروا من القضايا السهلة بديلا لتحقيق مكاسب سياسية شخصية، وتجنبوا عرض صور قد تكون قاتمة لأزمات مستقبلية فى وقت لم يعد احتمال وقوعها ضربا من الخيال.

 

وتزداد معضلة هشاشة وضع الأمن القومى المصرى بشقيه الداخلى والخارجى «شديدى الارتباط» مع مرور الوقت، وينذر الوضع بأزمات حقيقية، وأقصد هنا تحديدا المعضلة الأمنية فى شبه جزيرة سيناء واحتمالات تفاقم الأوضاع وتخرج الأمور عن السيطرة.

 

وطبقا لمصادر إعلامية جادة ومتكررة، فقد حذرت تقارير أمنية وسيادية عديدة من تدهور الوضع الأمنى فى سيناء بعدما رصدت أجهزة أمنية مصرية تسلل عناصر تنتمى إلى تنظيمى الجهاد والقاعدة إلى سيناء خلال الفترة الأخيرة، إضافة لتقارير عن اندماجهم مع خلايا محلية وفلسطينية راديكالية ممن يسعون فى إشعال مواجهات إقليمية. وتذكر كذلك تقارير إخبارية نشرت فى صحف حكومية مصرية أنه تم ضبط 40 قذيفة مضادة للطائرات وسط سيناء فى مخزنين سريين، إضافة إلى ضبط ترسانة أسلحة ثقيلة، تم جلبها من ليبيا محملة على عدة سيارات نقل على طريق الإسكندرية مطروح متجهة إلى سيناء.

 

وبفرض دقة هذه التقارير وغيرها، فنحن أمام انفجار قادم للأوضاع لا محال على الجبهة الشرقية لمصر فى مرحلة مازلنا نعانى فيها من ارتباك كبير سياسيا ومؤسسيا.

 

وفى ظل هذه الأوضاع، أود أن اطرح سؤالا حول ما إذا كان أى من مرشحى الرئاسة قد أعد سيناريو إدارة أزمة تنطلق من سيناء فى اتجاه مدينة إيلات الإسرائيلية على سبيل المثال؟ مدينة إيلات يسكنها ما يقرب من 50 ألف شخص وتقع على خليج العقبة على بعد عدة كيلومترات من الحدود المصرية، وتضم ميناء يواصل إسرائيل بموانئ الشرق الأقصى وتضم منطقة سياحية كبيرة نسبيا مكونة من عشرات الفنادق ومنتجعات.

 

هل لدى أى من المرشحين الرد على سؤال ماذا سيكون موقفه إذا ما عبرت قوات إسرائيلية الحدود مع مصر تحت ذريعة مطاردة من هاجموها من داخل سيناء، وبقيت هناك؟

 

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية شهدنا هجمات كثيرة ومتكررة على خطوط أنابيب النفط المصرية الممتدة إلى إسرائيل والأردن، ولم تظهر أى السلطات قدرتها على وقف هذه الهجمات إلا أن تم إيقاف تصدير الغاز لأسباب تجارية!

 

ويكشف تحليل هجمات 18 أغسطس التى قتل فيها ثمانية إسرائيليين وجرح واحد وثلاثون أن جميع المهاجمين الاثنى عشر كانوا من سكان سيناء المصريين. وقد كانت تلك أيضا المرة الأولى التى أُطلقت فيها صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من سيناء ضد طائرات هليوكوبتر إسرائيلية.

 

ومثل الهجوم أيضا خروجا عن النمط الذى اتبعه عمليات الإرهاب السابقة التى هدفت جميعها إلى ضرب أهداف داخل سيناء وليس داخل إسرائيل.

 

وردا على هذه التطورات وافقت إسرائيل على نشر ما يصل إلى ست كتائب من الجيش المصرى (تضم نحو 3000 جندى) على مقربة من حدودها، وتشمل للمرة الأولى نحو عشرين دبابة (على الرغم من أنه لم يتم نشرها فى النهاية). وقد ضاعفت إسرائيل أيضا نشر قواتها على طول جانبها الحدودى بما يتراوح بين أربع وثمانى كتائب بالإضافة إلى تعجيلها ببناء سور أمنى بتكلفة 400 مليون دولار وارتفاع 17 قدما على طول الحدود.

 

وعلى الرغم من أن إسرائيل تسمح لمصر بنشر وحدات عسكرية إضافية فى شبه الجزيرة فإن أية محاولة لتعديل بنود اتفاقية السلام ذات الصلة يمكن أن تحث السياسيين المصريين إلى تمزيق المعاهدة بأكملها، وهذا ما لا تريده أمريكا ولا إسرائيل. لذا يبقى خطر الانفجار على الحدود بين إسرائيل ومصر والتى يبلغ طولها 240 كم مصدر قلق دائم مع خطورة مضافة بأن التطورات المحلية داخل مصر يمكن أن تفتت السلام الثنائى الهش بين الدولتين.

 

استمرار إنكار وجود توتر حقيقى فى سيناء من قبل المحافظين والمسئولين المحليين ليس له ما يبرره، أما التجاهل من قبل مرشحى الرئاسة، فهو ما يثير قلق حقيقيا ليس على مستقبل سيناء فقط، بل على مستقبل كل مصر.

 

فى الوقت ذاته يرى عدد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين ضرورة مراجعة إسرائيل إستراتيجيتها العسكرية، وأن تؤكد الاستراتيجية الجديدة أن أى انتهاك لاتفاقيات السلام من جانب أى حكومة مصرية فى المستقبل، سيشكل سببا للحرب. كما تم طرح فكرة إعادة تشكيل فرقة جديدة من الجيش الإسرائيلى تتمركز على الجبهة الجنوبية، وهى الفرقة التى تم تفكيكها إثر توقيع اتفاقية السلام مع مصر.

 

 

ويزيد من خطورة الوضع ارتباك المشهد السياسى المصرى حيث إننا على موعد مع رئيس جديد «ضعيف» خلال أسابيع قليلة قد يكون فاقدا لبعض الشرعية بسبب عدم اعتراف منافسيه وقوى سياسية مهمة بانتصاره. ونحن أمام مشهد لا يضع خطوطا واضحة بعد لتعامل الرئيس الجديد مع المؤسسة العسكرية والجهات الأمنية السيادية. ولا أحد يعلم من يتخذ قرار الحرب أو قرار تحريك قوات مسلحة، أهو الرئيس أم وزير الدفاع؟

 

المصالح الاستراتيجية لمصر باقية بغض النظر عن هوية من سيحكم مصر، ولن يؤثر على هذه المصالح انتخاب هذا المرشح أو ذاك، لذا لا يجب تهميش القضايا المهمة على حساب قضايا هامشية أو شخصية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved