اللحن الأساسى الوحيد

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 20 مايو 2015 - 10:20 ص بتوقيت القاهرة

عندما مارس الرجل الأوروبى جرائم الإبادة ضد الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، انتهت الحرب بوضعهم فى معسكرات، لعزلهم عن المجتمع الأبيض الناشئ. أحد زعماء القبائل نقل الخبر الحزين لشعبه، ثم ألقى خطبة من أربعة سطور:

«أرى، كما الرؤيا، انطفاء نار مجلسنا
أبقار البافالو الوحشية سوف تختفى
وحده عواء الذئب سوف يُسمع
أنا عجوز».

عادت السطور إلى رأسى وأنا أتطلع حولى، فلا أسمع سوى الذئاب، بعد أن تم الإقصاء التدريجى للجميع.

خرج شباب التحرير من اللعبة، ملطخين بتسريبات عبدالرحيم، وصرخات موسى، وشتائم المهذب رئيس نادى الكرة. وأينما ولوا وجوههم فثم دعوى قضائية من محام نكرة لسحب الجنسية منهم.

خرج الشباب من المشهد إلى السجون والمنافى. «زهرة شباب الوطنية» لعنة يسلمها راديو مصر وكباريهات الإف إم فى الصباح لسائقى التاكسى، فيكررونها على المسبحة بقية اليوم للزبائن، بصوت تخين واثق من غبائه، قبل أن تجهز عليهم حواريات الكنب فى التوك شو.

الإعلام الوطنى المستقل اختفى، وظهر كورال أحادى النغمة، ينتظر المانشيت وقائمة الضيوف من صاحب الريموت العملاق. تحتضر الآن مؤسسات إعلامية، ويقعد مذيعون وصفحيون كبار فى بيوتهم، ويهاجر بعضهم، ليس لأنهم مطرودون، بل لأن «ما يقولونه لا يتناغم مع اللحن الأساسى»، كما قالها لى مسئول قبل أيام.

اللحن الأساسى الوحيد.

يخرج العمال من المشهد رسميا، وتذهب نقابات الدولة، فى مشهد يشبه حمل الكفن فى الصعيد، لتتعهد بعدم الإضراب. النقابات التى تدافع عن مصالح العمال، ولا تملك سلاحا إلا الإضراب، تتنازل عنه بعد أن هزها الشوق للاستقرار.

من جديد يعود المواطن مهانا مجروحا فى كرامته، أمام الموظف المرتشى والشرطة المتجاوزة بالتنكيل والتعذيب حتى الموت.

اختفت الأحزاب فى حالة كمون بيولوجى، أو صراعات داخلية، وتمدد الزعماء على الكنب انتظارا لصفارة الانتخابات. لسه ما صفرش.

صاحب الريموت لا يحب الانتخابات، ولا وقت لديه للمناقشات. كل شىء واضح ومحسوم. ومنذ اختفاء البرلمان تصدر الأفكار والأحلام فى صورة قرارات بلا مراجعة، فلماذا نحتاج إلى برلمان؟.

«منذ الإطاحة بمرسى، عمد عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى، فى غياب برلمان منتخب، إلى إصدار سلسلة من القرارات، أفضت إلى تقييد حرية التعبير وتقويض الجمعيات الأهلية»، كما كتبت «جارديان» فى 26 ديسمبر الماضى، وهى تلاحظ أن التشريعات التى صدرت فى غياب البرلمان تحظر الاحتجاجات، وتوسّع اختصاص المحاكم العسكرية، و«الأخطر هو أنها تمت دون أى رقابة من برلمان لا يزال غائبا، ولم تخضع سوى لرقابة شكلية من مجلس الوزراء ولجانه».

يخرج كل الإسلاميين من المشهد، فى عاصفة كراهية وانتقام تخلط الحابل بالنابل، وها نحن نتبادل أنخاب الدماء الحرام.

نتبادل أحكام الإعدام ومانشيتات «البدلة الحمرا، ورقبة مرسى، ويقتربون من عشماوى»، مع العبوات اليدوية فى المدن، وقنابل نسف أبراج الكهرباء، وانتحاريات العريش الدامية.

«كيف يمكن أن نربى أبناءنا على أن كل الدم حرام، وأن الشماتة فى الموت لا تجوز، فى مجتمع كل الدم فيه مباح، والشماتة فى الموت فيها وجهة نظر؟»، سؤال من المواطن هيثم التابعى على فيسبوك، يستنكر بطفولة مدهشة هذا الابتهاج الهستيرى بالدم، أما المستقبل فلا أسئلة بشأنه، ووحده عواء الذئب يُسمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved