الصين وأمريكا.. حرب تجارية أم بداية حرب ساخنة؟

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

بينما تتجه الأنظار إلى الخليج العربى واحتمالات قيام حرب «عسكرية تقليدية» بين الولايات المتحدة وإيران، فإن حربا أخرى قد بدأت بالفعل، إلا أنها هذه المرة لا تقوم على المواجهة العسكرية ولكن على المواجهة الاقتصادية والتجارية. هذه الحرب الأخرى، تدور رحاها الآن بين الصين والولايات المتحدة، وبدأت مع إعلان واشنطن عن سلسلة من الإجراءات فى الأشهر القليلة الماضية استهدفت الصادرات الصينية، وقيام بكين باتخاذ إجراءات مضادة استهدفت بدورها الصادرات الأمريكية. فما الذى دفع الولايات المتحدة إلى إعلان مثل هذه الحرب التجارية على الصين؟ وهل هى فعلا تقتصر على تحقيق أهداف اقتصادية وتجارية فقط، أم هناك أهداف وأسباب أخرى؟

البداية كانت منذ عدة سنوات مع نمو الاقتصاد الصينى وتراجع الصناعات الأمريكية أمام المنافسة الصينية. وقد عبر الممثل الأمريكى المعروف توم هانكس عن هذا الواقع من خلال فيلم تم إنتاجه فى عام ٢٠١٦ قبل انتخاب ترامب بعنوان «مجسم من أجل الملك Hologram For The King». وتدور أحداث الفيلم حول توم هانكس الذى أفلس مصنع والده الذى كان ينتج دراجات نتيجة دخول الدراجات الصينية الأرخص ثمنا إلى السوق الأمريكية. ليتحول الرجل إلى مندوب مبيعات لشركة أمريكية ويذهب إلى السعودية، لتسويق أحد المنتجات التكنولوجية (الهولوجرام، ومن هنا اسم الفيلم)، إلا أنه فى النهاية يواجه أيضا بمنافسة شرسة من المنتج الصينى والذى يذهب العقد السعودى إليه.

هذا القلق من المنافسة الصينية كان يزداد مع كل زيادة فى أرقام العجز التجارى بين البلدين حتى وصل إلى ٣٧٥ مليار دولار لصالح الصين فى العام الماضى. ومع اتهام المسئولين الأمريكيين للصين بأنها لا تعمل على إصلاح هذا الخلل فى الميزان التجارى، تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات بدءا من مارس ٢٠١٨، حيث تم إلإعلان عن فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية من الألومونيوم والألواح الشمسية، ليعقبها فى يوليو وأغسطس فرض ٢٥٪ رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة ٥٠ بليون دولار. وعلى الرغم من بدء المفاوضات التجارية بين الجانبين، فإن واشنطن فرضت ١٠٪ على ٢٠٠ مليار دولار من الواردات الصينية فى شهر سبتمبر ٢٠١٨. ومع فشل المفاوضات التجارية بين البلدين فى بداية الشهر الحالى، أعلن ترامب عن زيادة الرسوم الجمركية التى فرضت فى سبتمبر الماضى من ١٠٪ إلى ٢٥٪ مع التهديد فى ذات الوقت بفرض هذه الرسوم على بقية الواردات الصينية، فى حالة عدم استجابة بكين للمطالب الأمريكية. وقد ردت الصين بدورها بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأمريكية للصين بقيمة ٧٠ بليون دولار، تضاف لما سبق أن فرضته قبل ذلك من رسوم جمركية ردا على الرسوم الجمركية فى سبتمبر الماضى. وهكذا أصبحت الدولتان فى حالة مواجهة وحرب تجارية. ولكن ما هى هذه المطالب التى تسعى واشنطن إلى موافقة بكين عليها؟

أول هذه المطالب، قيام الصين بشراء المزيد من المنتجات الأمريكية لتقليص الفجوة الكبيرة بين الصادرات الأمريكية للسوق الصينية والواردات الصينية للسوق الأمريكية. وهو الطلب الذى يمكن تحقيقه لأنه يلتقى مع المصالح الصينية وذلك عن طريق توسع الصين فى شراء مزيد من الغاز المسال أو طائرات البوينج أو بعض المحاصيل الزراعية الأمريكية بدلا من شرائها من دول أو مصادر أخرى.

ثانى هذه المطالب، فتح السوق الصينية بشكل أكبر أمام الشركات الأجنبية (الأمريكية)، وإزالة القيود والإجراءات والشروط الكثيرة التى تضعها السلطات الصينية أمام هذه الشركات وتعوق حركتها داخل السوق الصينية. وتتهم واشنطن بكين بأنها تضع شروطا تعجيزية عن عمد وبما يخل بقواعد المنافسة الحرة التى إلتزمت بها بكين بعد إنضمامها إلى منظمة التجارة الدولية فى عام ٢٠٠١. وهو ما يرد عليه الجانب الصينى بالوعد بالنظر فى الشكاوى المقدمة والعمل على التخلص من هذه القيود والشروط وإلغائها وتعديلها.

ثالث هذه المطالب، ويرتبط بالمطلب السابق، المطالبة بعدم قيام الحكومة الصينية بتقديم الدعم المالى المباشر للشركات والصناعات الصينية وبما يمكنها من المنافسة بشكل لا تستطيعه الشركات والمنتجات الأجنبية (أى الأمريكية) والتى لا تحصل على أى دعم حكومى أمريكى أو غيره نظرا لالتزامها بقواعد وآليات السوق الحرة. وهو الأمر الذى يلقى معارضة غير معلنة من الجانب الصينى نظرا لأنه يتطلب تغيير النموذج الاقتصادى الصينى الذى يقوم على رأسمالية الدولة.

رابع هذه المطالب الأمريكية، ولعله يكون أهمها وأخطرها، هو ضرورة احترام الجانب الصينى لقواعد الملكية الفكرية. إذ تتهم واشنطن بكين بفرض شروط خاصة بنقل التكنولوجيا المملوكة للشركات الأمريكية إلى الشركات الصينية التى ترغب فى الدخول فى مشاريع مشتركة معها. وأن السلطات الصينية تفرض من الشروط والقواعد ما يجبر الشركات الأمريكية على طلب الشراكة مع الشركات الصينية حتى تستطيع تلبية الشروط والقواعد المطلوبة منها. ونظرا لإغراء دخول السوق الصينية الواسعة، فإن هذه الشركات الأمريكية تخضع لما تعتبره واشنطن نوعا من الابتزاز. والنتيجة أن الشركات الصينية بدأت فى منافسة الشركات الأمريكية كما رأينا فى فيلم توم هانكس السابق ذكره. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة للجانب الأمريكى، وخاصة بعد أن بلغ حجم عمليات الشراء والاستحواذ التى قامت بها الشركات الصينية فى السوق الأمريكية نحو ٤٥ بليون دولار فى عام ٢٠١٦، معظمها فى قطاع تكنولوجيا المعلومات. وهو ما بدأت معه السلطات الأمريكية تتخوف من عملية اختراق صينى منتظم لأمنها القومى وتعرضها لعميات سرقة ممنهجة للتكنولوجيا الأمريكية.

يتواكب مع ما سبق ويزيد من قلق واشنطن خطة الحكومة الصينية المعروفة باسم «صنع فى الصين ٢٠٢٥»، والتى أعلن عنها فى عام ٢٠١٦ وتمضى فيها بخطى وئيدة. وتهدف هذه الخطة إلى أن تصبح الصين الأولى عالميا فى عشر صناعات محددة، من السيارة الكهربائية إلى الإنسان الآلى وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها. أى بعبارة أوضح أن تكون للصين الريادة فيما بات يعرف بإسم الثورة الصناعية الرابعة.

وهكذا كما نرى، فإن ما يبدو ظاهريا من محاولات أمريكية لإصلاح الخلل فى ميزانها التجارى مع الصين يخفى فى طياته قلقا أمريكيا من نمو الصين الإقتصادى (والذى يتجلى فى مبادرة الحزام والطريق التى تحتاج إلى مقال أخر لشرحها)، وقلق أشد من نمو الصين التكنولوجى. هذا النمو الذى الذى حدا بواشنطن إلى تحذير شركائها الأوروبيين من مغبة إشراك شركة «هواوى» الصينية فى شبكات الجيل الخامس للتلفون المحمول. وفى تطور أخير، أعلنت واشنطن عن حظر دخول معدات مجموعة شركات هواوى هذه إلى السوق الأمريكية، فضلا عن حظر حصول هذه الشركة على أى مكونات أو تكنولوجيا من الشركات الأمريكية قبل الحصول على الموافقة المسبقة من السلطات الأمريكية، والبقية مازالت تأتى، وهو ما يشى إننا ما زلنا فى مرحلة عض الأصابع والحرب التجارية بين هاتين القوتين. فهل تتصاعد المواجهة بينهما إلى مرحلة تكسير العظام وربما أشياء أخرى؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved