صعوبة أن تعمل رئيسًا للتحرير

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

فى نهاية فبراير الماضى حضرت جلسة نقاشية مهمة مع مجموعة من رؤساء تحرير صحف وفضائيات عربية إضافة إلى كتاب ونجوم إعلاميين كبار فى مدينة عربية.

محور النقاش تركز على الظروف الصعبة التى يعمل فيها الإعلام العربى، وكيفية الخروج منها.

يومها خرجت بنتيجة أساسية أن الهم العربى واحد من المحيط إلى الخليج. لكن النتيجة الأهم هى صعوبة أن يعمل الإنسان رئيسًا للتحرير هذه الأيام بالمنطقة العربية، حيث الإرهاب والعنف والتطرف والفقر والاستبداد والتسلط.

أن تعمل رئيسا للتحرير الآن فهو أمر محفوف بالمخاوف والمخاطر، التى تصل إلى فقدان الحياة نفسها. ومن لا يصدق عليه ان يراجع مؤشر حرية الصحافة الصادر قبل ايام، حيث اكتشفنا ان غالبية الدول العربية فى ذيل المؤشر باستثناء جزر القمر.

فى الماضى وقبل الثورات والهبات والانتفاضات التى شهدتها المنطقة العربية نهايات 2010، كان منصب رئيس التحرير العربى مرادفًا فى أحد معانيه للهيبة والمكانة والسلطة والمال والنفوذ، ثم دارت الأيام، حتى صار المنصب مرادفًا للحصار والضغط والإصابة بمختلف أمراض العصر، بل ان العديد من رؤساء التحرير تعرضوا لاعتداءات وهجمات بدنية من بعض العاملين فى صحفهم!!

فى المنطقة العربية وباستثناءات نادرة، فإن رئيس التحرير مطلوب منه أن يرضى الرأى العام والحكومة والنظام والمعارضة والنخبة ونشطاء السوشيال ميديا والارزقية، وغالبية فئات المجتمع، إضافة بالطبع إلى ملاك ومساهمى الصحيفة أو الفضائية أو الموقع الإلكترونى!

يتوقع الرأى العام ــ وهذا حقه بالطبع ــ من رئيس التحرير أن يقدم لهم الأخبار والمعلومات والقصص كاملة ومكتملة، طبقا للمعايير المهنية، ومن دون حذف أو تذويق، إضافة لشرحها وتحليلها وتوقع تداعياتها.

والحكومة تتوقع منه أن يقدم الأخبار التى تظهر إنجازاتها فى خدمة للشعب، وأن يتجنب الأخبار السلبية والسيئة والمزعجة، والتى قد تحرض الشعوب على التمرد. وأن يؤمن بكل ما تقوله هى فقط، ويكفر بكل من يعارضها، باعتباره خائنًا أو عميلًا أو قليل الوطنية فى أضعف الإيمان!!

والمعارضة تتوقع من رئيس التحرير أن يركز على الأخبار السلبية فقط، وألا ينشر أى خبر إيجابى عن الحكومة حتى لو كان صحيحًا. غالبية المعارضة العربية لا تختلف عن الحكومات فى شىء. خصوصًا فى عدم إيمانها بالتنوع والتعددية واحترام حريات الرأى والتعبير، وفى بعض الأحيان فإن المعارضات العربية تكون أكثر ديكتاتورية وتطرفًا من الحكومات التى تعارضها!!

فريق آخر يضم بعض أرزقية العمل السياسى، وجانبا من الذين بارت تجارتهم فى السنوات الاخيرة. هؤلاء يعتقدون أن مهمة رئيس التحرير أن يدافع عن أفكارهم ومعتقداتهم فقط، حتى لو كانت خاطئة أو تتعارض مع مصلحة البلاد، وإذا لم يفعل فهو المخبر والمنبطح والمتواطئ والمرتشى!!

وهناك فئات كثيرة فى المجتمع تريد من رئيس التحرير وصحيفته أن يتبنى مشاكلها وهمومها وقضاياها الخاصة فقط، «وليذهب الآخرون إلى الجحيم»!!

أما أصحاب المؤسسات الإعلامية سواء كانوا من الحكومات، أو القطاع الخاص أو الأحزاب أو المؤسسات، فيريدون من رئيس التحرير أن ينفذ السياسة التحريرية، كما وضعوها، وأن يحقق المكاسب والأرباح وهذا حقهم الطبيعى، لكن معظمهم ينسون الظروف المستحيلة التى يعمل فيها.

غالبية الفئات السابقة لديهم اعتقاد وهمى، أن رئيس التحرير الآن فى غالبية البلدان العربية حر طليق، وقادر على أى شىء. ينشر لهذا ويمنع ذاك، ولا يعرفون أنه واقع تحت ضغوط متنوعة، من كل الجهات التى سبق الإشارة إليها.

واقع الحال الآن أن رئيس التحرير يشبه شخصًا تم تكتيفه بالحبال، وإلقاؤه فى بحر متلاطم الامواج، والمطلوب منه الا يغرق او حتى يبتل!!. تمسك به كل الأطراف السابقة وتحاول شده وسحبه إلى جهتها، والنتيجة أنه يتمزق إربًا وقطعًا متناثرة، وينتهى ذلك بإصابته بكل أنواع الأمراض المزمنة!!

أحد خبراء الاعلام المرموقين، قال لى إن مهمة رئيس التحرير الأولى الآن هى أن تستمر صحيفته فى الصدور «حتى لا يلبس زملاؤه البيجامة ويجلسون فى البيت»!!

طبعا حينما تكون هناك حريات للتعبير وقواعد مهنية حاكمة وسيادة القانون، فسيكون هو الوضع المثالى لرؤساء التحرير ولكل العاملين فى المهنة.

وإلى أن يحدث ذلك، فادعوا معى لرؤساء تحرير الصحف العربية وعموم الصحفيين، خصوصًا أولئك الذين يحاولون أن يحافظوا على الشعرة الدقيقة بين المعايير المهنية، ومراعاة التحديات المجتمعية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved