الملكية الفكرية والرياضة: خبرات عربية

وليد محمود عبد الناصر
وليد محمود عبد الناصر

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

احتفل العالم منذ أيام باليوم العالمى للملكية الفكرية، والذى يصادف يوم 26 إبريل من كل عام، وكان الموضوع الذى اختارته المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) كموضوع للاحتفال هذا العام هو: «للذهب نسعى... الرياضة والملكية الفكرية»، وهو ما جمع بين كونه موضوعا جديدا يستحق التركيز عليه من جهة تبيان العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة، وكذلك بدا موضوعا جذابا، سواء للجمهور العادى أو لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، نظرا للاهتمام الكبير الذى تحظى به الرياضة فى عالمنا اليوم، بما فى ذلك فى منطقتنا العربية، على جميع المستويات والأصعدة.

وشهدت هذه المناسبة تنظيم العديد من الاحتفاليات فى الكثير من عواصم العالم، بما فى ذلك فى غالبية عواصم الوطن العربى، وارتبطت بعض تلك الاحتفاليات بفعاليات ذات طابع إيجابى وعملى مثل تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل التى شهدت نقاشات جادة وحوارات ذات قيمة بشأن الملكية الفكرية بشكل عام وبشأن العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة، بمختلف أنواعها ومكوناتها ومؤثراتها، على وجه الخصوص من جهة أخرى.

والواقع أن العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب ولكنها صارت مكونا رئيسيا فى الفلسفة الحاكمة للشركات المنتجة للمنتجات الرياضية وتلك الراعية للأحداث الرياضية وقبل ذلك كله وبعده الأندية الرياضية والجهات والمؤسسات الراعية لها، وبدا ذلك بالتأكيد واضحا ومتبلورا فى البلدان المتقدمة منذ عقود، ولكنه انتقل أيضا منذ مطلع الألفية الثالثة تقريبا إلى البلدان النامية بصورة متزايدة وبمعدلات متسارعة بحيث صار التمكن من أدوات الملكية الفكرية وإدارتها بشكل كفء وسيلة مهمة ضمن وسائل تعظيم الأرباح التجارية والمكاسب الاقتصادية لهذه الشركات والمؤسسات والنوادى، وكذلك تصاعدت عضوية وحيوية العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة كأداة لجذب الاستثمارات بمختلف صورها وأشكالها، سواء المحلية او الاقليمية او العالمية، لمجالات وميادين النشاط الرياضى، على تنوعها، بعد ان أدرك المستثمرون بشكل متزايد أنه يمكن جنى أرباح خيالية ومكاسب غير مسبوقة وأكثر بكثير من العديد من القطاعات الأخرى المتاحة للاستثمار، من الاستثمار فى الأنشطة المرتبطة بالرياضة، وذلك فى ظل تحقق شروط ومعايير حماية حقوق الملكية الفكرية واتخاذ الدول بشكل تصاعدى العديد من الإجراءات لضمان إنفاذ تلك الحماية فعليا على أرض الواقع.

وتوضح الإحصائيات الاقتصادية العالمية التى صدرت عن العديد من المؤسسات والمنظمات والمنتديات الدولية والإقليمية فى السنوات القليلة الماضية مدى تضاعف وتعاظم أرباح الشركات المنتجة للملابس الرياضية على الصعيد العالمى على سبيل المثال، بالإضافة إلى الحجم الضخم من المكاسب والدخول التى جنتها الشركات المنتجة للأدوات الرياضية المختلفة، وكذلك تثبت تلك الإحصائيات العوائد الضخمة التى تتحقق للشركات والمؤسسات الراعية للفرق والأندية والمنتخبات الرياضية فى مختلف ميادين الرياضة، بل وحتى لتلك الراعية لأفراد متفرقين من اللاعبين المتميزين والمشهورين، سواء فى لعبات جماعية أو فردية، وسواء من الذكور أو الإناث.

ولم تكن حالة البلدان العربية استثناءً من تلك القاعدة العامة حتى وإن تأخرت فى اللحاق بذلك الركب بعض الشىء من الناحية الزمنية، وذلك إذا ما قارناها بالعديد من دول ومناطق وأقاليم العالم الأخرى، كما أن المشهد فى المنطقة العربية يبدو غير مكتمل بعد عندما نتحدث عن مدى الوصول إلى الوعى الكامل بالعلاقة الإيجابية بين الرياضة وحماية حقوق الملكية الفكرية والمعرفة اللازمة بالتأثير الإيجابى لحماية حقوق الملكية الفكرية على تشجيع تدفقات الاستثمار من أبواب متعددة وواسعة إلى المجالات الرياضية من خلال تحفيزها عبر آليات تؤدى إلى مضاعفة ما تجنيه من مكاسب وأرباح وتقليل المخاطر التى تتعرض لها أو العقبات التى تواجهها عبر توظيف القوانين واللوائح لحماية حقوق الملكية الفكرية من جهة وضمان إنفاذ تلك الحقوق وتطبيقها من جهة أخرى.

وقد شهدت المنطقة العربية وبلدانها العديد من الاحتفالات الإقليمية وشبه الإقليمية والوطنية باليوم العالمى للملكية الفكرية عام 2019 وموضوعه: «الملكية الفكرية والرياضة»، والتى أخذ معظمها شكل مؤتمرات وندوات ودورات توعية تم تنظيمها من قبل المكاتب الوطنية للملكية الفكرية فى كل بلد عربى أو الجهات الإقليمية وشبه الإقليمية القائمة على الملكية الفكرية فى كل من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى، وذلك بغرض مناقشة هذا الموضوع بشكل هادئ ومنهجى ومتكامل من الناحيتين النظرية والعملية من خلال تناول الأطر العامة الحاكمة لتلك العلاقة، وكذلك ضرب الأمثلة العملية والمحددة على جدوى هذه العلاقة وفوائدها الإيجابية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بل وتكنولوجيا فى العديد من الحالات، سواء جاءت هذه الأمثلة من داخل المنطقة العربية أو من خارجها.

وقد شهدت العديد من البلدان العربية احتفالات بمناسبة اليوم العالمى للملكية الفكرية هذا العام، وبالطبع ركزت تلك الاحتفالات على موضوع اليوم العالمى لعام 2019، الملكية الفكرية والرياضة، وكانت هناك إسهامات عربية متنوعة وثرية فى آن واحد فى هذا السياق. فجامعة الدول العربية نظمت من خلال إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بها، وكعادتها كل عام، اجتماعا إقليميا للبلدان العربية للاحتفال بهذه المناسبة بشكل موضوعى، وتم عرض تجارب من بلدان عربية مختلفة فى إطار تناول العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة، وذلك من خلال عروض قدمها عدد من المسئولين الحاليين أو السابقين عن الرياضة فى بعض البلدان العربية، وكذلك عرض بعض أساتذة الجامعات والخبراء المتخصصين فى موضوعات الملكية الفكرية لتطور العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة وفرص استفادة البلدان العربية من هذا التطور لصالح استراتيجياتها للنهوض بالشباب والرياضة. كذلك كرمت جامعة الدول العربية بهذه المناسبة عددا من الرموز العربية التى شاركت فى القيام بأدوار رائدة لاستكشاف العلاقة بين الملكية الفكرية والرياضة منذ مرحلة مبكرة وتوظيف تلك العلاقة لصالح التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة فى المنطقة العربية.

من جانب آخر، أقامت العديد من البلدان العربية احتفالات ونظمت فعاليات على الصعيد الوطنى، خاصة من جانب المكاتب الوطنية للملكية الفكرية بتلك الدول، وأخذت تلك الاحتفالات والفعاليات صورا وأشكالا متنوعة، متداخلة أحيانا ومتكاملة أحيانا أخرى، إلا أنها ركزت على السعى إلى تعريف قطاعات واسعة من المواطنين، خاصة من الشباب، على العلاقة القوية التى باتت تربط بين الملكية الفكرية والرياضة، وعملت تلك الاحتفالات والفعاليات على توظيف مناسبة اليوم العالمى للملكية الفكرية للوصول إلى قطاعات من النشء والشباب والمعلمين والأساتذة ربما لم تكن على علم، أو ليست على إلمام كاف، بموضوعات الملكية الفكرية أصلا، فكانت العلاقة مع الرياضة هذه المرة هى المدخل المناسب والأكثر جاذبية لتعريف تلك الفئات المستهدفة بالملكية الفكرية ومكوناتها بشكل مبسط وسهل على الفهم من جانب غير المتخصصين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved