إبراهيم الخليل والمراجع الإسلامية

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 20 مايو 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

تأتى مصادر الإسلام فى ختام مصادر الأديان الكتابية، لتثبت أنه ما من شىء كهذه المصادر الإسلامية يثبت قيام دعوة إبراهيم، ويثبت مع هذا الثبوت وجود إبراهيم الذى تشكك فيه أصحاب بدعة الشك فى كل خبر قديم، دون أن يتساندوا فى هذا الشك إلى أى سند.
والمصادر الإسلامية التى يقف الأستاذ العقاد لرصدها هى: القرآن الكريم، والحديث النبوى، والتفسير وما يلحق به على سبيل التفصيل أو الاستطراد.
ويورد الأستاذ العقاد نصوص الآيات من 41 إلى 48 من سورة مريم.
ونصوص الآيات من 51 إلى 72 من سورة الأنبياء
ونصوص الآيات من 83 إلى 113 من سورة الصافات
ونصوص الآيات من 125 إلى 132 من سورة البقرة
ونصوص الآيات من 93 إلى 97 من سورة آل عمران
ونص الآية 258 من سورة البقرة
ونصوص الآيات من 74 إلى 83 من سورة الأنعام
ونصوص الآيات من 35 إلى 41 من سورة إبراهيم
ونصوص الآيتين 26 و27 من سورة الحج
ونص الآية 260 من سورة البقرة
ونصوص الآيات من 24 إلى 34 من سورة الذاريات
ونصوص الآيات من 69 إلى 76 من سورة هـود
ومن سورة النحل عن دين إبراهيم:
« إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » ( النحل 120 ـ 121 )
ومن سورة الأنعام فى خطاب إلى محمد ــ عليه الصلاة والسلام ــ عن دين إبراهيم والإسلام:
« قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (الأنعام 161)
ومن سورة آل عمران عن دين إبراهيم والإسلام وسائر الأديان:
« يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِى إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ*هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ*مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » (آل عمران 65 ـ 68)
وهذه جملة الآيات التى جاء بها القرآن الكريم مطولة فى سيرة إبراهيم، أو مشيرة إلى دعوته وما فيها من سابقة للدعوة الإسلامية، وليس على القارئ إلاَّ أن يقرأ فى المصحف الآيات التى أوردها الأستاذ العقاد واكتفينا هنا بإيراد أرقامها فى كل سورة.
ولا يحتاج من يكتب فى الدعوة الإسلامية إلى إبراز جانب منها لإثبات الانتقال ــ بدعوة إبراهيم ــ من العقيدة المحصورة فى عصبية خاصة لأقوام بعينهم، إلى عقيدة العالمين التى تعم كل أمة وتخاطب كل ملة، وهذه المساواة بين الأمم هى صبغة الإسلام فى كل جانب من جوانب دعوته من مبدئها إلى ختامها.
أما أخبار إبراهيم فى القرآن، فمنها ما تقدم فى التوراة والمشناه، ومنها ما انفرد به القرآن، ومداره على أمرين:
أحدهما خاص بالوقائع، وهو قيام إبراهيم واسماعيل إلى جوار البيت الحرام بمكـة.
والآخر خاص بالنظرة الدينية، فيما ينبه العقاد إلى أنه على جانب عظيم من الدلالة فى هذا المقصد، لأنه يبين الفارق بين التجسيم والتنزيه فى العبادة على مدار الزمن منذ كتابة أسفار العهد القديم وحتى الدعوة المحمدية.
وهذه النقلة التى ينوه إليها الأستاذ العقاد، تتجلى فى الفارق بين رواية التوراة للضيوف الثلاثة الذين جاءوا إبراهيم وبدوا يأكلون ويشبعون من الطعام، بينما كان مفهومًا من بعض نسخ التوراة القديمة أن واحدًا منهم هو الإله، ثم أصبح مفهومًا أنه ملك يتكلم باسم الإله ومعه صاحباه من السماء.
إلاَّ أن رواية القرآن المجيد لقصة هؤلاء الضيوف خلت من أنهم أكلوا وشبعوا، بل جلسوا إلى الطعام، ولم تصل إليه أيديهم، وسألهم إبراهيم أن يأكلوا فلم يفعلوا، حتى إن إبراهيم عليه السلام أوجس منهم خيفة.. «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ*فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ*فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ* فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ*فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ* قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ* قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ» (الذاريات 24 ـ 34).
وهذه النقلة بين العقل الذى يقصر عن إدراك مخلوق «سماوى» يخالف الأجساد الحية فى مطالبها المادية، وبين العقل الذى تهيأ لهذا التمييز، فهذه النقلة ليست بالأمر الهين فى تاريخ الإنسانية، فقد هيأت العقل البشرى للتمييز بين الحياة الروحية والحياة المادية.
* * *
وأهم المصادر الإسلامية بعد القرآن، هى أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام، ومنها طائفة عن الخليل عليه السلام تصفه وتصف أعماله وتلم بسيرته، ولا يوردها الأستاذ العقاد قبل أن ينبه إلى ما قاله أهل العلم من الفقهاء من أن الأحاديث التى يرويها الآحاد لا يجوز 
أن تخالف أصول الاعتقاد، وما قالته لجـنة العلماء بمناسبة مراجعة كتـاب «قصص الأنبيـاء» للشيخ عبدالوهاب النجار من أن خبر الآحاد فى رواية الحديث يُرَد إذا كان فى الرواية نسبة المعاصى أو الكذب إلى الأنبياء.
وعقب الأستاذ العقاد بعد إيراد الأحاديث النبوية عن إبراهيم عليه السلام، بأنه ليس بعد القرآن والأحاديث النبوية مصدر يصح أن يُسمى إسلاميًّا غير أقوال المفسرين.
وهى تكون إسلامية حين تكون مقصورة على تفسير معانى القرآن وألفاظه أو الاستشهاد بالأحاديث النبوية، وما عدا ذلك لا يُنسب إلى الإسلام، وإنما المرجع فيه إلى الأخبار المروية عن النسابين وأصحاب الأخبار.
ونسبة العرب إلى اسماعيل لم ترد فقط فى روايات العرب، وإنما هى مكتوبة فى سفر التكوين بالعهد القديم، أما الروايات التى ترتفع ببناء الكعبة إلى آدم وإلى الملائكة ولا تقف بها عند إبراهيم، وتذكر بناء الملائكة وبناء آدم وبناء أولاده وبناء إبراهيم وبناء العمالقة وبناء جرهم وبناء قصى بن كلاب وبناء قريش وبناء عبدالله بن الزبير وبناء الحجاج بن يوسف الثقفى، فقد أورد المسعودى فى «مروج الذهب» أن بناء الملائكة وآدم وشيث لم يصح، 
 أما بناء جـرهم والعمالقة وقصـى فهـو ترميـم، بينما توسـع «الأرزقى» صاحب كتاب 
«أخبار مكة» غاية التوسع فى هذه الروايات التى لم تستوعبها الإسرائيليات ولا يمكن أن تستوعبها، لأن تبجيل العرب للكعبة أقدم من هذه الإسرائيليات، وجاوز حدود جزيرة العرب إلى الهند ومصر كما ذكر «برتون» فى رحلته إلى الحجاز، ولا يزال الصابئة اليوم كما كانوا قبل الإسلام ــ يحسبونها من البيوت السبعة التى تناظر الكواكب السبعة ويقولون إنها بيت أشرفها دارًا وهو «زحل»، وأنها ستبقى فى الأرض ما بقى «زحل» فى السماء.
وعن حرق إبراهيم، يقول المفسرون الأوائل إن النار لم تحرقه لأن الله تعالى سلبها خاصة الاحراق، وفى شأن هذه القصة تفسير طويل «للألوسى» فى تفسيره «روح المعانى»، بينما للشيخ محيى الدين بن عربى تفسير للآية على أسلوب المتصوفة الذين يرمزون بالكلمات إلى الأسرار.
ومن الجديد فى المصادر الإسلامية، أن إبراهيم ولد على مقـربة من دمشـق، وأن «آزر» كان عم إبراهيم ولم يكن أباه، وردد نسب إبراهيم «ابن إياس» فى «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، أما عن قرابة «سارة» المختلف عليها لإبراهيم عليه السلام، فإن الحافظ ابن كثير أورد أن المشهور أنها ابنة «هاران» عم إبراهيم، وهو ما ردده ابن إسحق الثعلبى دون أن يذكر اسم العم.
وكذلك وقع الاختلاف فى تحديد هل الذبيح اسماعيل أم إسحق كما أوردت التوراة، وأدمغ الحجج على أنه اسماعيل وليس إسحق، أن رواية التوراة تصف إسحق فى روايتها بأنه «وحيد» إبراهيم، بينما لم يكن قط وحيد أبيه حيث ولد بعد سنوات من ولادة اسماعيل.
ويختم الأستاذ العقاد هذا الفصل بأن الاختلاف حول الذبيح له جانب مهم يفوق فى أهميته جانب البحث التاريخى، لأنه يتعلق به اختيار الشعب الموعود فى الروايات الإسرائيلية بعد الحذف والإثبات المقصودين فى سيرة إبراهيم ليتصل هذا الوعد بذرية إسحق وينقطع عن ذرية اسماعيل، وفهم السيرة كما جاءت بالكتب الدينية أو فى كتب الشروح والتعليقات ــ لا يتهيأ للباحث ما لم يضع أمامه «سـر» الاختلاف على إسحق واسماعيل، وهو ما يعد الأستاذ العقاد بأنه سيزداد إيضاحًا بما يلى من مصادر التاريخ.

‏Email:rattia2@hotmail.com

‏www.ragai2009.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved